كورنيش البيضاء تحول إلى بؤرة تشرميل واحتله المنحرفون وقلال الترابي

المكان: كورنيش البيضاء. الزمان: الثامنة مساء. دوريات الأمن منتشرة على طول الشواطئ الممتدة بمنطقة “عين الدياب” الشهيرة، ساهرة على منع المواطنين من ولوجها، وحريصة على أن يرتدي المارة كماماتهم بالشكل المناسب الذي يجب أن تكون عليه. لكنها، تقف مكتوفة الأيدي، أمام كمية العنف وحوادث التحرش التي تقع أمام أعينها، وكأن الأمر لا يعنيها. إنها هناك من أجل الكمامة، والكمامة فقط.

لا “جريمة” اليوم أكبر من عدم ارتداء الكمامة أو محاولة التسلل إلى شاطئ البحر. وكل ما عداهما من جرائم وخرق للقانون، لا يهم. لقد تحول فضاء “الكورنيش”، خاصة في هذه الفترة التي عادت المقاهي إلى إغلاق أبوابها في الثامنة مساء، إلى مرتع لـ “الشمكارة” والجانحين و”المشرملين”، الذين يحجون إليه من أحياء هامشية بالعاصمة الاقتصادية، يتعاركون في ما بينهم ويتنابزون بأبشع الألقاب ويتبادلون السباب والكلام النابي، أمام أسماع العائلات التي تتجول رفقة أطفالها، بهدف تغيير الجو والتخلص من كآبة وملل البيت، بعد أن أقفلت في وجوهها كل منافذ العطلة. يتحرشون بالشابات اللواتي يرتدين ملابسهن الرياضية من أجل حصة مشي، بعد أن اضطرت القاعات الرياضية لإغلاق أبوابها. يستعرضون عضلاتهم على “الغادي والجاي”، وهم في كامل نشوتهم من “السيليسيون” و”القرقوبي” وجميع أنواع المخدرات والمسكرات. كل ذلك أمام نظر وسمع عناصر الأمن المرابطة في المكان، والتي لا هم لها سوى الكمامة، ولا شيء غير الكمامة.
هؤلاء الذين يتحرشون بالفتيات ويرهبون المارة والمواطنين بسلوكاتهم العنيفة، هم أنفسهم الذين دخلوا في اشتباكات مع عناصر الأمن والشرطة بسبب احتفالات عاشوراء في عديد المدن، ولم يرف لهم جفن وهم يرمونها بالحجارة والمفرقعات. هم أنفسهم الذين رموا المارة بالبيض و”الما القاطع” احتفاء بـ “زمزم”. وهم أنفسهم أيضا الذين يخربون الحافلات وسيارات المواطنين ويثيرون الشغب بعد كل مباراة “ديربي” وكأن كازا في حرب.
هم أنفسهم الذين رفضوا الحجر وخرجوا إلى الشوارع في عز الطوارئ دون كمامات ولا تباعد ولا معقمات، معرضين حياتهم وحياة غيرهم لخطر العدوى. لقد استولوا على المدينة واستعمروها، وأصبحت جميع الفضاءات ملكهم، يمارسون فيها انحرافهم و”قلة ترابيهم”، في حين أصبح الآخرون، الباقون، مضطرين إلى الانزواء في منازلهم، اتقاء الشرور والمشاكل، يفضلون الانتقال من “الخدمة للدار” والعكس صحيح، وهم يمنون النفس بأن يمر كل شيء في سلام، ويعودوا إلى بيوتهم بأقل الخسائر.
لقد أصبحت البيضاء بؤرة لـ “التشرميل” بامتياز. وإذا كانت العاصمة الاقتصادية تسجل اليوم أكبر نسبة إصابات بفيروس “كورونا”، ما استدعى صرامة أكبر في تطبيق القوانين، فإن الصرامة نفسها أصبحت مطلوبة من أجل الضرب بـ”هراوة” من حديد على أيدي هؤلاء المجرمين الذين ينغصون على الناس عيشتهم، علما أن الوباء قد يدحره اللقاح، أما “الخروج على السطر”، فلا لقاح ولا دواء له. إنه مثل “الغرغرينا”، ما أن ينتشر في عضو من الجسم، حتى يؤدي إلى بتره.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com