في عرف السياسة، الجهل لا يُعفي من المسؤولية، لكن في مدرسة قصر المرادية، يبدو أن الجهل بالمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن هو ميزة قيادية تستحق الترقية. الرئيس عبد المجيد تبون، الرجل الذي دخل قصر الحكم على أكتاف الجنرالات وخرج من مسرح السياسة المغاربية على وقع ارتباك في الجغرافيا، ما يزال يرفض أن يفهم — أو يتظاهر بعدم الفهم — أن مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء هو اليوم مرجع أممي وموقف دولي راسخ، وليس مجرد نشرة جوية من نشرة التاسعة.
تبون، الذي يرى في البوليساريو حركة “تحرر وطني”، لا يبدو أنه قرأ شيئًا من تقارير مجلس الأمن، أو أنه اكتفى بملخص شفوي من الجنرال شنقريحة، أحد أشهر “المفكرين” الاستراتيجيين في الجزائر، والذي يُفضل حل النزاعات بسياسة “الصوت العالي والغاز الطبيعي”.
في كل مرة يُسأل فيها تبون عن ملف الصحراء، يهرب إلى أرشيف شعارات الحرب الباردة، متجاهلًا أن العالم تغيّر، وأن دولًا عظمى كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، باتت تعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل “الجاد وذي المصداقية”، بينما ما تزال دبلوماسية الجزائر تراوح مكانها بين خطاب تحرير الجزائر وبلاغات سنة 1975.
لكن الأغرب في قصة تبون مع الصحراء المغربية، أنه يتحدث عنها وكأنها تقع في كوكب المريخ، وأن سكانها تحت وصاية خيال استعماري فرنسي – إسباني، لا شأن له بالمغرب، وكأن ملايين المغاربة الذين يعيشون هناك، ويستفيدون من أكبر مشاريع تنموية في إفريقيا، مجرد سراب سياسي صنعه الإعلام الرباطي.
الواقع أن الرئيس تبون، الذي لا يعرف الفرق بين “الجهوية الموسعة” و”الحكم الذاتي”، يُدار عن بعد من قبل جنرالات أنهكتهم الحسابات الانتقامية، فصارت سياستهم الخارجية مبنية على مبدأ بسيط، “نقول لا، فقط لأن المغرب يقول نعم.” وهكذا صارت قضية الصحراء مجرد وسيلة لتأجيل الإصلاحات في الداخل، وخلق عدو خارجي يساعد على قمع الحريات في الداخل، وإلهاء الشعب عن أزمة الخبز، وسعر البطاطا، وفضائح “الكوكايين البحري”.
أما مخيمات تندوف، حيث ما تزال ميليشيا البوليساريو تُدير حياة الآلاف من الصحراويين بمباركة المخابرات الجزائرية، فهي أصبحت اليوم مرآة فاضحة لفشل السياسات الجزائرية ، لا شرعية، لا انتخابات، لا محاسبة، فقط قمع واسترزاق دولي على ظهر اللاجئين، في وقت تتهاطل فيه القنصليات على العيون والداخلة كما تتهاطل الاستثمارات، ومعها الاعترافات بسيادة المغرب على صحرائه.
تبون، الذي يبدو أنه يعيش في زمن نشرة أخبار تعود للثمانينات، يتناسى أن المغرب لا ينتظر موافقة المرادية على مقترحه، وأن عجلة التنمية والسيادة تسير بسرعة لا تسمح لمن يركب جَمل التاريخ أن يطلب من الرباط التوقف.
الخلاصة؟ الرئيس عبد المجيد تبون لا يجهل فقط الحل السياسي، بل يجهل أن الزمن تغيّر، وأن العالم لم يعد يعترف بالشعارات بل بالمشاريع. أما الصحراء المغربية، فهي اليوم ليست فقط في قلب المملكة، بل في قلب الشراكات الدولية… وعلى من أراد أن يلحق بالركب، أن يتعلم أولًا استخدام الخريطة.