حين تضرب إيران في قطر: استعراض عضلات أم مسرحية مكشوفة؟

حنان الفاتحي

في تطوّر مفاجئ وغامض في آن، اختارت إيران أن تفتتح ردّها العسكري على الضربات الأميركية التي استهدفت منشآتها النووية، من بوابة “الصديقة الشقيقة” قطر. استهدفت الصواريخ الإيرانية قاعدة العديد الأميركية، أكبر قاعدة للجيش الأميركي في الشرق الأوسط، دون أن تسفر عن أية إصابات أو أضرار تُذكر. وسارعت إيران إلى توضيح أن العملية لم تكن موجهة ضد قطر، وإنما ردّا محسوباً على ما وصفته بـ”التحرك الوقح” من واشنطن.

بين الرد المحسوب والتنسيق المسبق

بيان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كان واضحاً: الهدف لم يكن قطر، بل رسالة موجّهة إلى الأميركيين. لكن اختيار الدوحة تحديداً لبدء الردّ يثير أكثر من علامة استفهام. فالعلاقات القطرية الإيرانية، رغم اختلافاتهما الشكلية، تظلّ دافئة خلف الأبواب المغلقة، في ظل تقاطعات إقليمية تبدأ من ملف غزة ولا تنتهي في مضيق هرمز. فهل كانت قطر على علم مسبق؟ وهل لعبت دور “الميدان الآمن” لتنفيس الغضب الإيراني في مساحة محسوبة؟

مصادر دبلوماسية كشفت لوكالة رويترز أن طهران أبلغت واشنطن والدوحة مسبقاً بالهجوم عبر قنوات دبلوماسية، ما يعزّز الفرضية القائلة بأن الهجوم كان أقرب إلى “عرض ناري” محدود بدلاً من رد عسكري حقيقي. لا خسائر، لا تصعيد، لا مفاجآت. قطر دانت الهجوم ببيانات تحفظ ماء الوجه، واحتفظت بـ”حق الرد”، وهي العبارة التي باتت تعني، واقعياً، تأجيلاً إلى أجل غير مسمى… أو لا ردّ إطلاقاً.

هجوم بلا دماء… لكنه مليء بالرمزية

من اللافت أن الصواريخ التي أُطلقت على قاعدة العديد لم تُحدث أضراراً تُذكر. حتى الدفاعات الجوية القطرية أعلنت اعتراضها للهجمات بنجاح، في مشهد بدا أقرب إلى تمرين مشترك غير معلن. الرسالة الإيرانية وصلت، والرد الأميركي لم يأتِ، ما يوحي بأن واشنطن كانت، على الأقل، على علم بالعملية وربما باركتها ضمنياً كـ”خسارة مقبولة” لتجنب تصعيد أشمل في المنطقة.

ويؤكد مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن “الهجوم تم بصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى مصدرها إيران”، دون الحديث عن ردّ، أو حتى نية في الرد، وهو ما يعكس رغبة الطرفين في إبقاء الأمور تحت السيطرة. الهجوم كان، باختصار، “رداً من أجل الرد”، دون أن يغير شيئاً في ميزان القوى.

ارتباك خليجي وقلق إقليمي

ردود الفعل الخليجية جاءت سريعة وغاضبة، لكنها لم تُخفِ قلقاً واضحاً من احتمالية تحوّل أراضيها إلى ساحات لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران. الإمارات دانت ما وصفته بـ”الانتهاك الصارخ” لسيادة قطر، فيما اعتبرت السعودية أن الهجوم “غير مبرّر ويخلّ بمبادئ حسن الجوار”.

في البحرين والكويت، أُغلقت الأجواء جزئياً، وصدرت تعليمات بالعمل عن بُعد للموظفين الحكوميين، فيما دعت السفارات الأميركية والغربية رعاياها إلى الاحتماء في أماكنهم، تحسباً لأيّ تصعيد. البحرين، التي تستضيف الأسطول الأميركي الخامس، بدت متوجسة أكثر من غيرها، وسط تساؤلات عن من سيكون الهدف التالي في حال قررت طهران المضي قدماً في سلسلة ردودها.

قطر… الحليف المربك في المعادلة

يبقى السؤال الأكبر: لماذا قطر؟ وهل كانت طرفاً في المسرحية، أم مجرّد مسرح للعرض؟ من الصعب الجزم. لكن المؤكد أن طهران تدرك جيداً أن الدوحة، على خلاف جيرانها، لن تردّ، وأن أيّ تصعيد قطري لن يصبّ في صالحها سياسياً أو عسكرياً. من هنا، جاء الرهان الإيراني على “حليف صامت”، يعرف متى يعبّر عن الغضب، ومتى يكتفي بالبيانات الرمادية.

كما أن الدوحة، ورغم تعبيرها عن “الإدانة الشديدة”، حرصت على أن لا تسحب سفيرها، ولا تغلق المجال أمام إيران دبلوماسياً. وهو ما يعطي انطباعاً بأن ما جرى يدخل في خانة الحسابات الباردة أكثر منه في خانة الحرب الساخنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com