في زاوية ما من شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث تعزف الشمس على جدران مليلية المحتلة مقطوعة “الاحتلال المزمن”، أُسدل الستار مؤخرًا عن فصل جديد من مسلسل “الإنسان أرخص ما يكون”، وذلك تحت عنوان بوليسي جذّاب: “وامي-سالفيا”، وهي عملية أمنية إسبانية قد تبدو من الخارج كمحاولة بطولية لتطهير الجيوب القذرة من الجريمة، لكنها في باطنها مرآة تعكس فشلاً متكرراً في حماية من لا صوت لهم.
أوقفت الشرطة الوطنية الإسبانية مواطنًا “محترمًا” في مليلية المحتلة، ليس لأنه تجاوز الإشارة الحمراء، بل لأنه احترف هواية توزيع مواد إباحية لقاصرين مغاربة، وكأنهم مجرد بيانات يمكن مشاركتها على “خوادم التواصل الفوري”، بنفس بساطة إرسال “صورة صباح الخير” في مجموعة العائلة على واتساب.
لكن لا تفرحوا كثيرًا، فالقبض على هذا الرجل ليس نهاية القصة، بل بداية لفصل جديد من “فيلم واقعي” أكثر سوداوية من أي مسلسل على نتفليكس، حيث تشير التحقيقات إلى أن الرجل لم يكن “ذئبًا منفردًا”، بل قائد أوركسترا في شبكة دولية تصدّر الطفولة المغربية إلى حيث تُصنع الملايين، من خلال مقاطع تنتهك البراءة، وتُبَثّ على مواقع إلكترونية يتزاحم فيها المشاهدون، فيما تتكدس الأرباح في جيوب لا تعرف الشفقة.
الغريب أن الشبكة لا تعمل في الأنفاق ولا في الكهوف، بل من خلال “شركات سياحية” مرخصة، تقدم “رحلات مغرية” من مليلية وسبتة إلى وجهات “حالمة” مثل بانكوك وبراغ، حيث يُستقبل القاصرون المغاربة كالنجوم، لكن على خشبات مذلة، تسجل عليهم تفاصيل انهيارهم، وتحوّل أجسادهم إلى سلعة دولية تطوف العالم رقميًا.
وتحدثنا السلطات الإسبانية، بلغة باردة، عن “استخدام تقنيات متقدمة في الاستخبارات السيبرانية”، وكأننا أمام سيناريو من فيلم جيمس بوند، فيما الواقع أن الاستخبارات الحقيقية التي نحتاجها هي “ذكاء الضمير”، فكيف يمكن أن ينشط هذا الجحيم لسنوات دون أن يشعر به أحد؟ وكيف تمرّر هذه الرحلات المنظمة على أعين شرطة الحدود، بينما يُعتقل قاصر مغربي لأنه “حاول القفز على السياج الحديدي” بحثًا عن مستقبل؟
أما القاصرين، أولئك الذين يعيشون في الهامش، فقصتهم أشبه بمن يتعلم السباحة في مسبح بلا ماء: يُوعدون بتسوية أوضاعهم، يُغدق عليهم الوسطاء بوعود خرافية، ثم يُرمى بهم في قوارب الرذيلة، وتُحرق خلفهم كل سبل العودة. وبينما تنشر الجمعيات الأوروبية بيانات “القلق العميق”، ينمو “الاقتصاد الموازي للاستغلال” بكل أريحية، مستفيدًا من صمت رسمي، وتواطؤ ضمني، وأحيانًا، من بيروقراطية تجعل حماية الأطفال عملية “تحتاج لتقارير مفصلة ومداولات مطولة”.
فمن نلوم؟ الشبكة؟ أم من جعل الشبكات تجد في مليلية وسبتة تربة خصبة؟ أم أننا، في نهاية المطاف، لا نملك سوى أن ننتظر عملية أمنية جديدة، باسمٍ شاعرٍ مثل “نرجس المساء” أو “أمل الشوك”، لتخبرنا أن هناك ضحية أخرى، وفيديو آخر، وخادم إلكتروني جديد.
ويبقى السؤال العالق: متى سيتوقف عرض هذا المسلسل؟ أم أن الطفل المغربي محكوم عليه أن يؤدي دور الضحية إلى ما لا نهاية، بينما يصفق “الجمهور الدولي” من مقاعده الوثيرة، مرددًا: “يا له من انتصار أمني آخر!”