ضربة جيوسياسية مدوّية: الحرب الإسرائيلية–الإيرانية وانهيار توازن إقليمي

مجدي فاطمة الزهراء

ليس الحدث عاديًا. بل هو نقطة تحوّل دراماتيكية قد تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط تمامًا كما فعل الغزو الأميركي للعراق عام 2003. حينها، قررت إدارة جورج بوش الابن إنهاء التوازن الإقليمي القائم منذ انهيار الدولة العثمانية، وبناء نظام جديد تكون فيه اليد العليا للولايات المتحدة.

اليوم، يأتي دونالد ترامب ليقود خطوة أكثر راديكالية، عبر إعلان انخراط الولايات المتحدة الفعلي في الحرب الإسرائيلية على إيران. إنّه منعطف لا يقلّ تأثيرًا عن إسقاط صدام حسين، وسيترك بصماته العميقة على كل دول المنطقة من الخليج إلى بلاد الشام.

من شريك ضمني إلى عدو معلن

منذ 1979، أي منذ سقوط الشاه وصعود الخميني، تبنّت الإدارات الأميركية سياسة “التغاضي الاستراتيجي” عن سلوك إيران العدائي، بدءًا باحتجاز الدبلوماسيين الأميركيين، مرورًا بتفجير السفارة الأميركية وثكنة المارينز في بيروت، وصولًا إلى دعم الميليشيات التي تستهدف الوجود الأميركي في العراق. لكن تلك الحقبة انتهت.

مع اغتيال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس”، في مطار بغداد، وجّه ترامب رسالة قاطعة ، لم تعد إيران محصّنة، ولم تعد جزءًا من لعبة التوازنات الأميركية–الإسرائيلية، بل باتت خصمًا مباشرًا، وجوده في حد ذاته تهديدٌ يجب إنهاؤه.

إيران في عزلة، لا روسيا تنقذها ولا الصين تراهن عليها

الظرف الدولي اليوم لا يشبه ثمانينات القرن الماضي. لم يعد الغرب يرى في إيران حائط صد ضد الروس، بل بات يعتبرها رأس حربة للفوضى في المنطقة. أما روسيا، المنشغلة بأوكرانيا، فترى في إيران مجرد ورقة تفاوض، لا حليفًا وجوديًا. الصين كذلك تراقب ولا تتدخل. وحتى الدول الأوروبية باتت تميل إلى الصمت، خوفًا من تداعيات البرنامج النووي الإيراني وخطر التصعيد.

في العام 1980، شكّلت الحرب مع العراق فرصة للنظام الخميني لترسيخ سلطته الداخلية، واستنهاض الحس الوطني ضد عدو خارجي. اليوم، في 2025، الوضع مختلف: المجتمع الإيراني منهك، الاقتصاد في حالة انهيار، و”الحرس الثوري” فقد الكثير من هيبته داخل الشارع الإيراني، خاصة بعد انكشاف دوره في دعم “حماس” خلال عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، وما تلاها من عواقب كارثية.

ترامب يفتح ملفات الماضي… ويغلق باب المساومات

من خلال استهداف المواقع المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، يكون ترامب قد أعلن نهاية مرحلة التفاهمات السرّية التي طبعت العلاقة الأميركية–الإيرانية طيلة العقود الماضية. فكل “الخدمات المتبادلة” بين الطرفين، من تسهيل التوغل في العراق إلى السكوت عن تهريب السلاح إلى الحوثيين، أصبحت من الماضي.

الرسالة واضحة: لا مكان في الشرق الأوسط الجديد لجمهورية الملالي، لا كوسيط ولا كلاعب. واللافت أن من قال ذلك بوضوح ليس فقط ترامب، بل أيضًا المستشار الألماني فريديريش ميرز، الذي لخّص المشهد بقوله: “إسرائيل تقوم بالعمل القذر الذي يبدو أن أحدًا غيرها لا يريد القيام به. والآن، أميركا انضمّت”.

ويرى الكاتب الصحفي بوشعيب البازي أنّ ما يحدث اليوم هو أقرب إلى إعلان نهاية “الوظيفة الإقليمية” التي طالما أدّتها إيران بتكلفة منخفضة وعوائد مرتفعة. ويضيف:

“إيران لم تعد لاعبًا قابلاً للاستثمار فيه، لا من قبل واشنطن ولا من تل أبيب. لقد استنفدت أغراضها الاستراتيجية، وصارت عبئًا بدل أن تكون ورقة. في تقديري، لا يشكل استهداف البرنامج النووي الإيراني فقط نهاية لحلم القنبلة، بل نهاية لحلم نظام كامل عاش أربعة عقود على الاستفزاز المدروس والمقايضة بالدم العربي.”

ويتابع البازي: “نحن أمام مشهد جديد حيث تتغير قواعد اللعبة، وتتراجع مساحات المناورة. إسرائيل لم تعد تحتمل دولة على حدودها أو على أطرافها تلوّح بسلاح نووي أو تصدر صواريخ عبر وكلاء. أما أميركا، فقد تخلّت عن لغة ضبط النفس، لأنها تدرك أن إيران الخائفة لم تعد تتفاوض، بل تبتز. وهذا فرق جوهري.”

بدخول الولايات المتحدة رسميًا على خطّ المواجهة مع إيران، يكون الشرق الأوسط قد دخل مرحلة جديدة لا تشبه ما قبلها. مرحلة تتجاوز لغة الخطوط الحمراء والصفقات السرّية، وتقوم على وضوح بالغ، لا تهاون مع مشروع إيران النووي، ولا حياد أمام أذرعها التي تعبث بأمن المنطقة.

وكما يخلص بوشعيب البازي:

“في هذا الشرق المضطرب، انتهى زمن التفاوض مع الظلال. من الآن فصاعدًا، من لا يُرسم له دور في السيناريو الكبير… يُقصى من المشهد تمامًا.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com