الجزائر وفرنسا: أسبوع النشاطات الثقافية… أو محاولة “كسكسي الصداقة” في زمن الأزمة

سومية العلكي

في ظل أزمة دبلوماسية أشبه بحرب باردة بين الجزائر وفرنسا، قررت قنصلية الجزائر في نانتير، ضواحي باريس، أن تقدم لنا وصفة جديدة لتهدئة الأجواء: أسبوع كامل من النشاطات الثقافية احتفاءً بالذكرى الـ63 لاستقلال الجزائر. نعم، يبدو أن “الكسكسي” لم يعد مجرد طبق تقليدي، بل أصبح أداة دبلوماسية فريدة تحمل شعار “المشاركة، الذاكرة، والود” — ثلاث كلمات تبدو وكأنها خرجت من قاموس العلاقات العامة وليس من خطاب رسمي جزائري تقليدي.

في زمن تتبادل فيه البلدتان الاتهامات الحادة حول الهجرة، الذاكرة التاريخية، والصحراء المغربية، يبدو أن القنصلية الجزائرية قررت أن تقول “لنأخذ استراحة” مع “كسكسي الصداقة”، حيث سيتم تكريم قدامى المحاربين في ثورة التحرير، ربما لتذكير الجميع بأن الماضي لا يزال حاضراً، لكن يمكننا على الأقل أن نأكل معاً.

البرنامج غني بالفعاليات: من عرض فيلم عن فرانز فانون، الطبيب والمناضل الذي عاش بين الجزائريين في خمسينيات القرن الماضي، إلى بطولة كرة قدم نسائية تضم 12 فريقاً، مروراً بمعرض للحرف اليدوية. يبدو أن الثقافة والرياضة هما اللغة الجديدة التي تحاول الجزائر من خلالها إرسال رسائل إلى فرنسا، بعيداً عن التصريحات الحادة التي اعتدنا سماعها.

لكن، لا تخدعكم هذه المبادرات الودية، فخلف الكواليس لا تزال الأزمة تتصاعد، خاصة بعد اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء، وسحب الجزائر لسفيرها، وتعليق التعاون الأمني، وحتى محاكمة الكاتب بوعلام صنصال بتهم “المساس بالوحدة الترابية”، التي تزيد من تعقيد المشهد.

السفير الفرنسي السابق كزافيي دريينكور وصف الوضع بأنه “أخطر أزمة بين البلدين منذ الاستقلال”، مشيراً إلى أن الجزائر تعيش واحدة من أضعف لحظاتها الدبلوماسية، بينما فرنسا تحتاج إلى مراجعة سياستها التي وصفها بـ”العمى المزدوج”. ربما كان دريينكور يحتاج إلى حضور “أسبوع النشاطات الثقافية” ليشاهد كيف يمكن للكسكسي والكرة النسائية أن يكونا رسائل دبلوماسية أكثر فاعلية من التصريحات الرسمية.

في النهاية، يبدو أن الجزائر وفرنسا تحاولان، ولو بشكل غير مباشر، إعادة بناء جسر من التفاهم عبر بوابة الجالية والثقافة. لكن السؤال يبقى: هل يكفي “كسكسي الصداقة” لتهدئة عاصفة سياسية دامت عقوداً؟ أم أن الطعم الحقيقي للسلام يحتاج إلى وصفة أكثر تعقيداً من مجرد طبق تقليدي؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com