«صاروخ في تل أبيب، أم لقطة من بلايستيشن؟» — حين يطلق الذكاء الاصطناعي العنان للهلوسة الجيوسياسية!
بوشعيب البازي
بروكسيل – يبدو أن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تعد تُخاض فقط عبر الصواريخ والمسيرات، بل انتقلت أيضاً إلى ملعب أكثر تشويقاً: ميتافيرس الإعلامي، حيث تُطلق “قذائف البيانات” وتُسقط “طائرات رقمية” كل ثماني ثوانٍ، بينما تقف الحقيقة على الهامش تراجع سجلّ الغيابات.
من كان يظن أن النضال من أجل “الرواية الأقوى” سيقوده مولد صور يُدعى “Google Veo 3”، متخصص في إخراج مشاهد حربية تفوق ميزانية هوليوود، وتُعرض على تيلغرام بدلاً من شاشات السينما؟
في هذا الموسم الجديد من المسلسل الجيو-ساخر “الشرق الأوسط من دون فلتر”، نشاهد طائرات تُسقطها إيران في لعبة فيديو، وصوراً “حصريّة” للدمار في تل أبيب تولّدت من ذكاء إصطناعي يعاني هو الآخر من أزمة هوية!
◉ نيوزجارد: الكذب بخوارزمية، والفبركة بواجهة مستخدم سلسة
في مسرح هذه التراجيديا الرقمية، برزت شركة “نيوزجارد” كالعراف الذي يهمس: “احذروا من الصور التي تبدو حقيقية أكثر من اللازم.” فقد وثّقت ما لا يقل عن اثني عشر ادعاءً فُبرك بعناية، من صور تفجيرات مزعومة إلى تقارير عن أسر طيّارين إسرائيليين لم يظهروا حتى في لائحة المسافرين!
أما العدو الجديد للمهنية الإعلامية، فهي روبوتات الدردشة التي قررت أن “تتعلّم” الأخبار من تغريدات محمومة وقنوات مريبة، لتقدّم للمستخدمين أجوبة موثوقة… لكن مزيفة! روبوت مثل “كروك”، مثلاً، صدّق صورة مُفبركة أكثر من اللازم، وأعلنها “حقيقية” بثقة قد تُحسد عليها وكالات الأنباء.
◉ إيران ضحية، إسرائيل متهمة، والحقيقة في إجازة مرضية
من ناحيتها، تحاول إيران إقناع العالم أنها ضحية تلاعب رقمي إسرائيلي، بل إن التلفزيون الرسمي زُعم أنه اختُرق لبث صور نساء غاضبات يطالبن بالحرية — لكن من يدري؟ قد تكون هؤلاء النسوة مجرّد شخصيات من لعبة The Sims خضعن لتعديل عبر “فوتوشوب الثورة”.
وفي الجهة المقابلة، إسرائيل ترد على كل إسقاط رقمي لطائراتها بعبارة جاهزة: “أخبار كاذبة.” حتى أن أحد المتحدثين العسكريين كاد يقول: “اسألوا طائرتنا، ما زالت تُحلّق بسعادة.”
◉ الحرب الجديدة: حرب “الثواني الثماني”
ما يثير السخرية أكثر من الرعب، هو ما قاله هاني فريد، أستاذ في جامعة كاليفورنيا: “الفيديوهات المضلّلة غالباً ما تستمر أقل من 8 ثوانٍ…”. وهذه مدة كافية على ما يبدو لتضليل نصف الكوكب، وشن حرب رقمية، وربما حتى طرد سفير.
وفي هذا السياق، لا يعود المشاهد قادراً على التفريق: هل هو يتابع تغطية حربية حقيقية، أم دعاية من الجيل الخامس؟ هل هذا تفجير حقيقي، أم مجرّد ريمكس من لعبة Arma 3؟ هل هذه الأخبار موثوقة أم منتجة من قبل “مؤثر رقمي” حالم بالوصول إلى المليون متابع؟
◉ المستقبل؟ بوت يروّج لحرب، وبوت آخر يُدققها
لقد بلغنا لحظة ما بعد الحقيقة، حيث كل شيء قابل للتصديق إذا كان معدًّا بصيغة HD، ومعه موسيقى ملحمية. المعلومات لم تعد تُقيّم بمصدرها أو محتواها، بل بجاذبيتها البصرية وعدد “اللايكات” تحتها.
وبينما يتجادل الأكاديميون حول “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، يستعرض ناشط مجهول من طهران فيديو مفبرك لقصف على حيفا، يحصد نصف مليون مشاهدة في ثلاث ساعات. أما المواطن العادي، فيكتفي بإعادة النشر على واتساب مصحوباً بعبارة: “شوفو آش واقع، راه شي حاجة كبيرة كتوجد!”
نحن أمام لحظة إعلامية جديدة، حيث يمكن أن تبدأ حرب بسبب مقطع مُصوَّر على تيك توك، وتُنهى ببيان عاجل من روبوت يعتذر عن سوء فهم خوارزمي. الحقيقة اليوم ليست فقط ما وقع، بل ما أُنتج، وما لُوِّن، وما قُدِّم في شكل “سينمائي واقعي”.
في عصر ChatGPT وMidjourney و”الأخبار الفورية”، لم تعد الحقيقة غائبة، بل محاصرة بمؤثرات خاصة وفلاتر تُحسن الإضاءة… وتُظلم الضمير.