بوغالي في نواكشوط… عندما تصبح الدبلوماسية الجزائرية فرعًا للعلاقات المغربية!
سومية العلكي
في مسرح العبث الدبلوماسي الذي يقدمه النظام الجزائري منذ سنوات، يبدو أن كل رحلة خارجية لا تُقاس بجدواها ولا بمصالح الشعب الجزائري، بل بعدد المرات التي يُذكر فيها اسم “المملكة المغربية” في كواليسها.
آخر فصول هذه الكوميديا السوداء ، هبوط رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، في نواكشوط، في زيارة رسمية تدوم أربعة أيام… أربعة أيام كاملة لمحاولة مطاردة ظل مغربي في الصحراء الموريتانية.
الدبلوماسية على طريقة “رد الفعل المتأخر”
يقول البيان الرسمي إن الهدف هو “تبادل وجهات النظر وتعزيز التعاون الثنائي”، لكن الواقع أكثر بساطة ، الزيارة ليست سوى عملية تجميلية متأخرة بعد الصفعة الدبلوماسية التي تلقاها النظام من زيارة الوفد البرلماني المغربي الناجحة لموريتانيا.
لم يستوعب صناع القرار في قصر المرادية بعد أن العلاقات لا تُبنى بردود الفعل ولا تُدار بحسابات الغيرة السياسية. وها هو بوغالي يشد الرحال، لا ليقترح مبادرات، بل ليقول: “نحن أيضًا هنا… ولو بعد حين.”
الجزائر… حين تكون البوصلة الوحيدة هي “ماذا يفعل المغرب؟”
منذ زمن بعيد، يبدو أن السياسة الخارجية الجزائرية استبدلت البوصلة الاستراتيجية بجهاز تتبع مغربي الصنع. فكل تحرك جزائري، مهما كان موضوعه، لا يخلو من محاولة “تحجيم” أو “تعديل” ما تعتبره تأثيرًا مغربيًا متناميًا في المنطقة.
سواء تعلق الأمر بزيارات، أو استثمارات، أو تعاون أمني أو برلماني، كل خطوة مغربية تُقابل مباشرة بخطوة جزائرية، غالبًا مرتجلة، وغالبًا أيضًا بلا جدوى.
وهو ما يجعل من “العقدة المغربية” الموجه الأول، والمستشار الوحيد، والعقيدة الثابتة في دبلوماسية بُنيت أساسًا على نفي الآخر بدل بناء الذات.
المغرب يبني… والجزائر تراقب من بعيد
بينما يُراكم المغرب بهدوء، شراكات إقليمية تقوم على المصالح المشتركة واحترام السيادة، تُصر الجزائر على تحويل كل تعاون مغربي مع الجيران إلى طارئ أمني يستدعي التحرك السريع.
فها هي موريتانيا، التي تربطها بالمغرب علاقات اقتصادية وأمنية عميقة، تحظى بزيارات رفيعة من الرباط، تقابلها الجزائر بإرسال وفود برلمانية، أقرب في دافعها إلى “رد الصاع السياسي” منها إلى تعزيز التعاون الحقيقي.
المشكلة أن هذه “الزيارات الموازية” تفضح أكثر مما تُصلح، وتُظهر بالملموس أن الجزائر تتحرك ليس بدافع الرؤية، بل بدافع الغيرة.
في قصر المرادية: غرفة عمليات اسمها “المغرب”
من يراقب قرارات السياسة الخارجية الجزائرية، سيدرك أنها لا تُتخذ في ضوء أولويات التنمية أو مصلحة الشعب، بل في ضوء سؤال واحد يتردد داخل أروقة الحكم: ماذا فعل المغرب مؤخرًا؟
ومتى ما جاء الجواب، يتحرك النظام… لا من أجل هدف إيجابي، بل لإفساد نجاحات الآخر.
وهكذا، تُهدر موارد، وتُرسل الوفود، وتُعقد الاجتماعات، فقط من أجل الإيحاء بأن الجزائر موجودة، حتى وإن كانت حضورًا شبحيا، بلا مشروع، بلا استراتيجية، وبلا تأثير فعلي.
خلاصة المشهد:
- زيارة بوغالي إلى نواكشوط ليست مبادرة، بل رد فعل متأخر على الحضور المغربي المتقدم.
- السياسة الخارجية الجزائرية باتت مرآة معكوسة للدبلوماسية المغربية.
- المغرب يُراكم الحضور والنفوذ، بينما الجزائر تُراكم البيانات والتصريحات.
- وهكذا، تُختزل دبلوماسية بلد بأكمله في مطاردة شبح مغربي لا يُدرك.
وفي الختام، سؤال بريء:
إذا كانت كل زيارة مغربية إلى بلد شقيق تُقابل بتحرك جزائري، فهل سيفكر المغرب يومًا في إرسال وفد رسمي إلى… الجزائر نفسها؟ فقط لنرى ما إذا كانت الحكومة الجزائرية سترسل بوغالي إلى الرباط ردًا على ذلك.
الاحتمال وارد… ولكن نوصي بتحصين الحدود من الانفعالات.