تتجاوز العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي حدود التقارب الدبلوماسي التقليدي، لتُجسّد اليوم شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد، تحكمها المصالح المتبادلة والروابط التاريخية، في سياق إقليمي ودولي تتزايد فيه التحديات الأمنية والاقتصادية والإنسانية.
في هذا السياق، أكدت دوبرافكا سويكا، المفوضة الأوروبية المكلفة بشؤون البحر الأبيض المتوسط، على “خصوصية” هذه العلاقة التي وصفتها بـ”الفريدة”، خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مشيرة إلى تقاطع الرؤى بين الرباط وبروكسيل حول أهمية تعميق الشراكة ضمن ميثاق “الجوار الجديد من أجل المتوسط”.
وأضافت سويكا في تصريحها،“المغرب شريك رئيسي وموثوق”، في إشارة واضحة إلى مكانة المملكة في الرؤية الجيوستراتيجية للاتحاد الأوروبي، مؤكدة أنها ستقوم بزيارة مرتقبة إلى المغرب لمواصلة الحوار وتعزيز أوجه التعاون.
رغم التوتر القضائي… الشراكة ثابتة
رغم ما شاب العلاقة مؤخرًا من توترات على خلفية أحكام المحكمة الأوروبية المتعلقة باتفاق الصيد البحري، فإن المؤسسات الأوروبية لا تزال تُجدد التزامها بتعزيز الشراكة مع المغرب. فقد أكد المجلس الأوروبي، الذي يضم قادة الدول الأعضاء الـ27، على “القيمة الكبيرة” التي يوليها الاتحاد لهذه الشراكة، وضرورة الحفاظ على متانتها وتطويرها في جميع مجالات التعاون.
ويُذكر أن هذا التأكيد يأتي في وقت حساس، تستعد فيه بروكسيل والرباط لصياغة أجندة تعاون متجددة خلال سنة 2025، من شأنها أن تأخذ بعين الاعتبار التحولات الجيوسياسية والرهانات المشتركة.
مهاجرون مغاربة… رافعة بشرية للعلاقات الثنائية
العلاقات بين الطرفين لا تُقاس فقط بمؤشرات التعاون الرسمي، بل تعززها الجالية المغربية المقيمة في أوروبا، التي تُقدر بأكثر من 4.5 مليون شخص، حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. هؤلاء يشكلون جسرًا بشريًا وثقافيًا واقتصاديًا متينًا، يساهم في تقوية الروابط بين ضفتي المتوسط، ويجعل من التعاون في قضايا الهجرة والاندماج ملفًا ذا أولوية مزدوجة.
رؤية استراتيجية: المغرب بوابة أوروبا نحو أفريقيا
يرى الباحث في العلاقات الدولية عبدالنبي صبري أن أهمية المغرب في حسابات الاتحاد الأوروبي لا تقتصر فقط على موقعه الجغرافي، بل تشمل أيضًا استقراره السياسي وأدواره المحورية في القارة الإفريقية. فالمغرب، بحسبه، “بلد مستقر في محيط مضطرب، وشريك لا غنى عنه في مواجهة تحديات كبرى مثل الإرهاب والهجرة والاتجار بالبشر”.
وبالفعل، يتقاطع هذا التصور مع مواقف عدد من المسؤولين الأوروبيين الذين زاروا المغرب مؤخرًا، وأكدوا جميعًا على أهمية الحفاظ على هذه الشراكة الاستراتيجية وتوسيع مجالاتها.
التعاون الاقتصادي… في قلب المرحلة الجديدة
لم يكن التعاون الاقتصادي بعيدًا عن أولويات الطرفين، بل يشكل أحد ركائز العلاقة. ففي زيارته الأخيرة إلى المغرب، عبر مارك بومان، نائب رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، عن رغبة مؤسسته في توسيع مجالات الشراكة مع المملكة، مؤكدًا التزام البنك بدعم التحول الاقتصادي المغربي.
هذا التوجه يجد صداه كذلك في تصريحات فرانسينا أرمنغول، نائبة رئيس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، التي دعت إلى تسهيل الهجرة القانونية وتعزيز احترام حقوق الإنسان، إلى جانب تنمية شراكات اقتصادية قائمة على أسس مستدامة.
الصحراء المغربية… دعمٌ أوروبي في تصاعد
تُعد قضية الوحدة الترابية للمغرب محورًا بالغ الأهمية في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، حيث تتوالى المبادرات الداعمة لموقف المملكة. وفي تطور لافت، قدم حزب الحركة الإصلاحية البلجيكي، يوم 20 يونيو الجاري، مقترح قانون أمام برلمان بروكسل يدعو إلى الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وفتح مكتب اقتصادي وتجاري في الصحراء المغربية، معتبرًا الرباط “شريكًا استراتيجيًا مستقرًا وموثوقًا به في القارة الأفريقية”.
نحو أفق أوروبي – مغربي مشترك
في ظل التحولات الدولية المتسارعة، وتزايد الحاجة إلى شركاء موثوقين في الجنوب، تبدو الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي أكثر من مجرد علاقات تقليدية. إنها معادلة توازن إقليمي، ونموذج في سياسة الجوار، ورافعة للتنمية المشتركة.
الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من بعض الخلافات القضائية أو التقنية، يُدرك جيدًا أن المغرب لم يعد فقط “جارًا”، بل فاعلًا إقليميًا محوريًا، له موقعه في القارة الأفريقية، وصوته المسموع في الملفات الأمنية والاقتصادية والبيئية والهجرية، ومساهمته البناءة في استقرار المنطقة.
وفي المقابل، يُدرك المغرب أن أوروبا ليست فقط شريكًا اقتصاديًا، بل فضاء استراتيجيًا لا بد من الحفاظ على الانخراط فيه وتطويره، من منطلق الندية والاحترام المتبادل.