الجزائر والبوليساريو: عندما تفكر الدولة في تصدير أزمتها إلى تونس… أو إلى المريخ

بوشعيب البازي

في تطوّر لافت أقرب إلى مشهد من مسرحية عبثية من تأليف صموئيل بيكيت، بدأ النظام العسكري الجزائري يُراجع أوراقه – أو على الأقل يُحاول – بشأن “العصابة” التي صنعها بيديه قبل نصف قرن: جبهة البوليساريو.

فبعد أن أصبحت هذه الجبهة عبئًا دبلوماسيًا، ومادة دسمة لتقارير أجهزة الاستخبارات الدولية، وصداعًا جيوسياسيًا لا يُسكنه الأسبرين، بات السؤال المطروح في كواليس قصر المرادية: وماذا بعد البوليساريو؟

نعم، الجزائر وقعت في خطأ جيوسياسي فادح يُدرّس في السّنة الأولى بكلية الحقوق: تشكيل دولة داخل دولة، مع رئيسين، وعلمين، ونشيدين، وبيان أول لا ينتهي.

الخطة البديلة: تصدير المشكل… إلى تونس؟

مصادر مطلعة تؤكد أن السلطة الجزائرية بدأت تفكر في ترحيل “المشكل” إلى تونس، تحديدًا إلى نظام الرئيس قيس سعيّد، الذي لا يمانع في استقبال كل ما يأتي من الشرق، طالما أن صك التمويل مضمون من الخزينة الجزائرية.

الفكرة بسيطة، “نقترح على تونس استقبال قادة البوليساريو و منحهم الإقامة بتونس و فتح فرع للبوليساريو في الصحراء التونسية، مع قليل من الشعارات، والكثير من الصور لزعيم يرتدي نظارات شمسية عتيقة.” ومع كل تحويل بنكي جديد من الجزائر، يمكن تمديد الإقامة.

لكن السؤال الذي لا يجرؤ أحد في أروقة الدولة الجزائرية على طرحه هو ، هل تقبل جبهة البوليساريو أن تتحول إلى سلعة قابلة للترحيل؟

الولاء للمغرب دون مغادرة تندوف؟

بحسب الكاتب الصحفي المغربي بوشعيب البازي، يبدو أن البوليساريو بدأت تبحث عن مخرج من الحصار الذي فرضته على نفسها. ويبدو أنها قد تلجأ إلى عرض الولاء الرمزي للمغرب، من داخل تندوف نفسها، في ما قد يشكل أغرب سيناريو سياسي في القرن “كيان يدّعي الانفصال، يعترف بالوحدة، من داخل دولة ثالثة.”

وإذا ما تم هذا التحوّل و قبول المغرب بهذا التحول ، فسيكون أول توسع مغربي غير رسمي داخل التراب الجزائري، دون طلقة رصاص واحدة. تندوف ستصبح بحكم الأمر الواقع منطقة مغربية رمزية، بمجرد أن يبدأ “قادة” البوليساريو في إرسال طلبات الجنسية المغربية باسم مستعار.

نهاية اللعبة: الدول العظمى تعترف، والجزائر تبتلع الصدمة

بعيدًا عن صخب تندوف وتخبط قصر المرادية، شهد ملف الصحراء تحولًا عميقًا، بفضل القيادة الرشيدة والحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي أعاد تعريف مفهوم السيادة على الأرض والشرعية على الصعيد الدولي. لا خطابات نارية، لا مؤتمرات ضجيجية، فقط عمل دقيق، صبور، ومتدرج أعاد للمغرب مكانته وأغلق الباب على من يلهثون خلف وهم “تقرير المصير على نفقة الجزائر”.

ووراء الستار، قاد ياسين المنصوري، رجل الظل والمدير العام للدراسات والمستندات (لادجيد)، عملاً استخباراتيًا استباقيًا تَمكن من رصد التحركات، تفكيك الشبكات، وتحييد المواقف الملتبسة، بأدوات لم تُرصد في الرادارات الإعلامية ولكنها ظهرت في تقارير دوائر القرار في واشنطن وبروكسيل.

أما على الجبهة الدبلوماسية، فقد تألق ناصر بوريطة، ابن المدرسة الملكية وصاحب النفس الطويل في الحوارات المغلقة، في تحويل حجرة البوليساريو الثقيلة إلى ورقة ضغط إقليمية. لم يُرفع الصوت، بل رُفعت الهواتف، وأُرسلت الرسائل، وأُغلقت الملفات واحدًا تلو الآخر.

إنه ثالوث سياسي – استخباراتي – دبلوماسي قلّ نظيره في المنطقة، حوّل قضية الصحراء من ملف نزاع مُزمن إلى حالة دراسة في السيادة الرشيدة والتفاوض الذكي.

هذا و أمام اعتراف الولايات المتحدة، وإسبانيا، وألمانيا، وهولندا، والمنتدى العالمي للتنمية بمغربية الصحراء، تجد الجزائر نفسها اليوم في عزلة دبلوماسية خانقة. حتى تلك الدول التي كانت تستمع “تأدبًا” لأطروحة البوليساريو، باتت تسأل، “هل يمكنكم التوقف عن هذه المسرحية؟ لدينا طوارئ حقيقية في أوكرانيا وغزة.”

بقيادة عسكرية تؤمن بأن السياسة تدار بالبندقية والنفط والذاكرة الثورية، لم تجد الجزائر أي مخرج سوى التفكير في التنصل التدريجي من صنيعتها القديمة، عبر تذويبها بهدوء، أو تصديرها كخردة أيديولوجية إلى أي بلد مستعد لقبولها.

هل تونس هي الحل… أم بداية أزمة جديدة؟

إن ترحيل البوليساريو إلى تونس قد يبدو حلاً على الورق، لكنه قد ينقل الأزمة من الجنوب الجزائري إلى شمال إفريقيا برمّتها. تونس بالكاد تُدير شؤونها الداخلية، فكيف ستستوعب كيانًا شبه عسكري يحلم بالدولة ويعيش على الشعارات؟

ويبقى السيناريو الأكثر ترجيحًا أن البوليساريو ستلعب آخر أوراقها، بمحاولة التقرّب من المغرب، والرهان على عفو تاريخي، مقابل تفكيك نفسها من الداخل، قبل أن يُقفل العالم باب التفاوض نهائيًا ويضعها على قائمة الإرهاب.

فحين يبدأ “صانع الوحش” بالخوف من وحشه… فاعلم أن النهاية قريبة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com