الكونغرس الأميركي يتحرك لتصنيف “البوليساريو” منظمة إرهابية: نقلة نوعية في تعاطي واشنطن مع ملف الصحراء
بوشعيب البازي
في تحرك غير مسبوق يعكس تحولا عميقا في تعاطي الإدارة السياسية الأميركية مع نزاع الصحراء، تقدم النائبان الأميركيان جو ويلسون (عن الحزب الجمهوري) وجيمي بانيتا (عن الحزب الديمقراطي) بمقترح قانون يهدف إلى تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية. المبادرة التشريعية، وإن كانت لا تزال في طور التقديم، إلا أنها تحمل مؤشرات قوية على انتقال واشنطن من مقاربة نزاع الصحراء كملف سياسي إلى اعتباره ضمن ملفات الأمن القومي ومكافحة الإرهاب.
من دعم المغرب إلى الضغط على الجزائر
يرى متابعون أن مشروع القانون لا يقتصر على تعميق الدعم الأميركي للموقف المغربي، بل يتجاوزه نحو ممارسة ضغط مباشر على الجزائر، باعتبارها الداعم الرئيسي للجبهة، في لحظة حرجة تسعى فيها الجزائر لتسويق نفسها شريكا موثوقا لواشنطن في ملف مكافحة الإرهاب. ويزيد من حدة هذه الضغوط الربط المباشر بين البوليساريو والنفوذ الإيراني في غرب إفريقيا، في وقت تتعامل فيه الولايات المتحدة بحزم سياسي وعسكري مع أي تمدد لطهران خارج حدودها التقليدية.
في هذا السياق، وصف جو ويلسون جبهة البوليساريو في تغريدة عبر منصة “إكس” بأنها “ميليشيا ماركسية مدعومة من إيران وحزب الله وروسيا”، مشيرا إلى أنها “توفر موطئ قدم استراتيجي لطهران في إفريقيا وتزعزع استقرار المملكة المغربية، الحليف التاريخي لأميركا منذ 248 عاما”.
وثائق وتحقيقات تدعم المقترح
استند المقترح التشريعي إلى جملة من الوثائق والتقارير الصحفية والتحقيقات الميدانية التي تكشف عن صلات عسكرية واستخباراتية بين البوليساريو وكيانات معادية للمصالح الأميركية، من بينها:
- تقارير إعلامية كشفت عن تدريبات عسكرية نظمها حزب الله اللبناني في مخيمات تندوف لفائدة عناصر من البوليساريو، من بينها تدريب على استخدام الطائرات المسيّرة.
- صور تعود لسنة 1980 تظهر مقاتلين من الجبهة إلى جانب صور مؤسس النظام الإيراني آية الله الخميني.
- تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست في أبريل 2025 يؤكد تورط إيران في تدريب وتسليح عناصر البوليساريو، وتزويدهم بطائرات مسيّرة متطورة.
- مشاركة عناصر من حزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابيا) في فعاليات نظمتها البوليساريو داخل تندوف، ما يعزز من فرضية التشبيك الإقليمي مع جماعات مسلحة أخرى.
تداعيات دبلوماسية وأمنية محتملة
يؤكد الدكتور محمد الطيار، رئيس المرصد المغربي للدراسات الإستراتيجية، أن اعتماد هذا المقترح رسميا سيفرض عزلة دبلوماسية خانقة على البوليساريو، ويحولها إلى كيان غير شرعي على المستوى الدولي، خصوصا إذا ما تبنت دول أخرى التوجه ذاته. ويضيف أن القرار سيؤدي إلى:
- تجميد أصول الجبهة داخل الولايات المتحدة.
- منع التمويل أو التعامل الرسمي والمدني معها داخل التراب الأميركي.
- فرض عقوبات محتملة على الجهات الداعمة لها، وعلى رأسها الجزائر، التي وصفها ويلسون بأنها توفر التمويل والملاذ الآمن للجبهة، وتغذي صراعا يخدم الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل.
توافق حزبي ورسالة جيوسياسية
اللافت في المقترح أنه يحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهو ما يعطيه ثقلاً تشريعياً نادراً، في ظرف سياسي أميركي يتميز بانقسامات داخلية حادة. ويملك الجمهوريون حاليا الأغلبية في الكونغرس، ما قد يمنح المقترح فرصاً كبيرة لاعتماده إذا لم تعترضه اعتبارات دبلوماسية من البيت الأبيض أو لوبيات الضغط المناوئة.
وتعكس هذه الخطوة تصاعد الوعي داخل النخبة السياسية الأميركية بخطورة التحالفات التي تنسجها جبهة البوليساريو في الخفاء، وعلاقتها المحتملة بـالجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة في منطقة الساحل، مما يحولها من مجرد “حركة انفصالية” إلى فاعل مهدد للأمن الإقليمي والدولي.
المغرب في موقع دبلوماسي متقدم
يمثل هذا التحرك فرصة استراتيجية للمغرب لتعزيز موقعه على الساحة الدولية، خصوصاً أنه ينسجم مع الخطاب المغربي حول تحول الجبهة إلى جماعة مسلحة مدعومة من أطراف خارجية معادية. وقد سبقت زيارة جو ويلسون للمغرب في أبريل الماضي، حيث التقى وزير الخارجية ناصر بوريطة، وصرّح حينها بأن الشراكة المغربية – الأميركية “أساسية من أجل الاستقرار في المنطقة، خاصة في مواجهة إرهابيي البوليساريو”.
إذا ما تم اعتماد هذا المقترح، فإن الولايات المتحدة ستكون قد خطت خطوة حاسمة نحو إعادة تعريف جبهة البوليساريو كتهديد أمني وليس مجرد طرف سياسي، وهو تحول من شأنه أن يعيد تشكيل موازين القوى في نزاع الصحراء، ويدفع نحو محاصرة الرهانات الجزائرية – الإيرانية في شمال إفريقيا تحت مظلة مكافحة الإرهاب.