المغرب يعزز ريادته القارية بمبادرة أطلسية استراتيجية تربط الساحل بالمحيط

حنان الفاتحي

يواصل المغرب ترسيخ مكانته كفاعل إقليمي محوري من خلال مشروع تنموي وجيوسياسي طموح، يهدف إلى ربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي عبر شبكة طرق إقليمية كبرى، في مبادرة غير مسبوقة تعكس رؤية استشرافية بعيدة المدى رغم ما يحيط بالمنطقة من تحديات أمنية وسياسية.

وقد أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس عن هذه المبادرة في خطاب سنة 2023، داعيًا إلى “إطلاق مبادرة دولية لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي”، مستندًا إلى الامتداد الجغرافي للمغرب على السواحل الأطلسية، مما يمنح المشروع بعدًا استراتيجيًا عميقًا.

رؤية شاملة لتعزيز التكامل والتنمية

ترتكز المبادرة الأطلسية المغربية على رؤية شاملة لتعزيز التكامل الإقليمي والتنمية المستدامة، مستفيدة من الموقع الاستراتيجي للمملكة باعتبارها همزة وصل بين إفريقيا وأوروبا. وتشمل المبادرة تطوير البنى التحتية، وتعزيز الربط اللوجستي، وتأسيس شراكات اقتصادية، بما يعكس التزام المغرب بدفع عجلة التنمية العابرة للحدود وتكريس دوره كبوابة للمنطقة نحو العالم.

سياق سياسي وأمني مضطرب

تأتي المبادرة في ظل تحولات سياسية وأمنية تشهدها كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والتي أصبحت تحت حكم أنظمة عسكرية بعد سلسلة من الانقلابات بين 2020 و2023. وشهدت هذه الدول تقاربًا متزايدًا مع روسيا بعد تراجع النفوذ الفرنسي، وانسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في يناير 2024 بسبب ما وصفته بالعقوبات “غير إنسانية وغير شرعية”.

وفي هذا الإطار، صرح وزير خارجية النيجر، باكاري ياوو سانغاري، عقب لقاء مع العاهل المغربي رفقة وزيري خارجية مالي وبوركينا فاسو، أن المغرب كان “أول من أبدى تفهمًا لموقفنا في وقت كنا نواجه تهديدًا بعمل عسكري من طرف إيكواس”.

وقد أبدت الدول الثلاث التزامها “بتسريع” تنفيذ المبادرة المغربية، خاصة بعد تشكيلها لتحالف الساحل في سبتمبر 2023.

منفذ استراتيجي بديل في ظل التوترات

تعتمد هذه الدول حاليًا على موانئ في دول منضوية تحت إيكواس، مثل بنين والسنغال وساحل العاج. لكن التوتر المتزايد مع هذه الكتلة الإقليمية يجعل المبادرة المغربية خيارًا استراتيجيًا لضمان منفذ آمن ومستدام إلى البحر.

دعم دولي وخبرة مغربية

رغم التحديات الأمنية واللوجستية التي تثير تساؤلات حول تنفيذ المشروع، يؤكد مراقبون أن المغرب قادر على تجاوزها، مستندًا إلى تجربته الطويلة في إدارة مشاريع البنى التحتية الكبرى، والدعم الدولي المتنامي الذي تحظى به المبادرة. ويتوقع أن تساهم في تمويل المشروع دول مؤثرة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وعدة دول خليجية، وفقًا لتقرير صادر عن مجلة أفريك أون موفمون المغربية.

شبكة طرق عابرة للقارة

يُتوقع أن تربط شبكة الطرق الجديدة المغرب بكل من موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، بتكلفة تقديرية تناهز مليار دولار، وفق ما أفاد به عبد المالك العلوي، رئيس المعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي. ولا يزال المسار التفصيلي قيد الدراسة، لا سيما مع التحديات المتعلقة ببُعد المسافات وبنية النقل المحدودة في بعض الدول المعنية.

وفي هذا السياق، يشير صديق أبا، رئيس المركز الدولي للدراسات حول الساحل، إلى أن تشاد “أقل انخراطًا في الوقت الراهن”، لكن إصرار المغرب على إتمام المشروع يظل ثابتًا.

التقدم الميداني: طريق وميناء قيد الإنجاز

يُسجَّل تقدم فعلي في أعمال الربط بين المغرب وموريتانيا، إذ أكد رضا اليموري من مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن طريقًا بريًا جديدًا بين البلدين أصبح “قريب الإنجاز”، مع استمرار الأشغال على الجانب الموريتاني.

وعلى صعيد النقل البحري، يرتكز المشروع على ميناء الداخلة الأطلسي في العركوب، الذي يُعدّ أحد أبرز مشروعات البنية التحتية في الصحراء المغربية. وقد بلغت نسبة إنجازه 38%، وتُقدّر كلفته بـ1.2 مليار يورو، على أن يدخل حيز التشغيل بحلول عام 2028، ليكون ركيزة أساسية في تسهيل الصادرات والواردات لدول الساحل.

مشروع استراتيجي لمستقبل المنطقة

هذا و يجسد المشروع الأطلسي المغربي تحولًا نوعيًا في مقاربة تنمية الساحل الإفريقي، جامعًا بين الطموح التنموي والواقعية السياسية. ورغم المخاطر الأمنية القائمة، فإن الإرادة السياسية القوية، والدعم الدولي الوازن، والخبرة المغربية الراسخة، تتيح فرصًا حقيقية لتحقيق هذا المشروع التاريخي الذي قد يُعيد رسم الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في غرب القارة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com