الاستثمار في الأقاليم الجنوبية: سلاح المغرب الناعم لترسيخ السيادة وتفنيد الأوهام الانفصالية

سومية العلكي

تشكل الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية أحد أقوى الأدلة العملية على ترسيخ السيادة الوطنية فوق أراضيها الصحراوية، وتُعتبر اليوم من أهم الأدوات التي يعيد بها المغرب رسم معالم النزاع المفتعل حول الصحراء. ففي الوقت الذي تثير فيه هذه الدينامية الاقتصادية حفيظة جنرالات الجزائر وتربك سرديات البوليساريو، فإنها تعكس نجاعة الرؤية الإستراتيجية المغربية في كسب رهانات السياسة والتنمية والدبلوماسية معًا.

فليست هذه المشاريع مجرد مؤشرات على الاستقرار وجاذبية مناخ الأعمال في الجنوب المغربي، بل تحمل في طياتها رسائل سياسية عميقة تُوجَّه إلى المنتظم الدولي مفادها، لا رمادية بعد اليوم في قضية الصحراء.

استثمار يعني اعترافًا: السياسة بلغة الاقتصاد

ما من شيء يُحرج خصوم المغرب أكثر من الوقائع الصلبة على الأرض. ومتى كانت الشركات الدولية تُقامر برؤوس أموالها في منطقة يُفترض، حسب أطروحات الجزائر والبوليساريو، أنها “متنازع عليها”؟ إن تدفق الاستثمارات إلى مدن مثل العيون والداخلة لا يمكن تفسيره إلا على أنه اعتراف فعلي ومباشر بسيادة المغرب، وإيمان راسخ بأن الاستقرار فيها ليس فقط واقعًا بل أفقًا تنمويًا واعدًا.

تأتي هذه المشاريع في قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة، والصيد البحري، والبنية التحتية، لتُحوّل الجنوب المغربي إلى منصة اقتصادية ولوجستية تربط أفريقيا بأوروبا والعالم، وتُكرّس موقع المغرب كبوابة استراتيجية لا غنى عنها في القارة.

بوليساريو: الميليشيا التي تخاف من الاستثمار

ليست مصادفة أن تصاب جبهة البوليساريو بحالة من الهستيريا كلما أُعلن عن استثمار أجنبي جديد في الصحراء المغربية. فهذه الجبهة، التي تعيش على الدعم الجزائري وبيع الأوهام، تدرك جيدًا أن مشاريع التنمية تُفكّك سرديتها الدعائية وتُضعف تماسكها الداخلي. ولهذا تلجأ إلى أساليب يائسة لتخويف المستثمرين، وشنّ حملات تضليلية، واستعمال أدوات ناعمة – لكن مفضوحة – كجمعيات تدّعي تمثيل “الشباب الصحراوي” في أوروبا، بينما هي في الواقع واجهات استخباراتية لتبييض خطاب الانفصال، كما في حالة عزيزة احميدة المقيمة في فرنسا.

ومن الفضائح التي كشفت حجم الانحدار الأخلاقي للجبهة، تورط ما يُسمى بأبي بشرايا البشير، المتحدث باسمها في أوروبا، في قضايا فساد مالي خطيرة، أبرزها استيلاؤه على نصف منحة جنوب إفريقية كانت مخصصة لبناء مرافق اجتماعية في تندوف، قام بتحويلها لحسابه الخاص في سويسرا. فأي مصداقية بقيت لتنظيم تتحدث قياداته عن تقرير المصير وهم ينهبون المعونات باسم السكان المحتجزين في المخيمات؟

مغرب يحصّن سيادته بالتنمية لا بالشعارات

الرسالة التي يبعثها المغرب عبر هذه الاستثمارات واضحة: لا مجال بعد اليوم للمواقف الرمادية أو الحسابات الضبابية. فكل شركة تُنجز مشروعًا، وكل قنصلية تُفتح في العيون أو الداخلة، وكل طريق أو ميناء أو محطة تحلية تُشيد في الجنوب، هو بمثابة تصويت جديد لصالح السيادة المغربية.

بل أكثر من ذلك، هذه الدينامية التنموية تكرّس التوجّه الملكي الذي عبّر عنه الملك محمد السادس مرارًا، بأن الدفاع عن مغربية الصحراء لا يقتصر على الدبلوماسية الكلاسيكية، بل يمر أيضًا عبر التنمية الشاملة والبنية التحتية والاندماج الاقتصادي. وهو ما يتحقق فعليًا من خلال دمج الأقاليم الجنوبية في الاقتصاد الوطني، وتحويلها إلى قطب إقليمي يستفيد منه عموم المغاربة وسكان المنطقة خصوصًا.

الحكم الذاتي: مشروع تنموي قبل أن يكون سياسيًا

يُعزز هذا الزخم الاستثماري أيضًا مصداقية مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، الذي بات يحظى بدعم دولي واسع من قوى كبرى كفرنسا، الولايات المتحدة، ألمانيا، إسبانيا والمملكة المتحدة. فهذا المقترح لم يعد مجرّد ورقة تفاوضية، بل إطار عملي للتنمية، ومسار عقلاني للحل، يضمن وحدة التراب المغربي، ويُكرّس الاستقرار في شمال أفريقيا.

الاستثمارات، إذن، ليست فقط مشاريع اقتصادية، بل رسائل دبلوماسية، ومواقف سياسية، وسلاح ناعم يعزز الحق التاريخي ويُفكك الأوهام. إنها السيادة تُمارس، لا تُعلن فقط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com