عبد الرحيم الشافعي: حين تتحوّل التأمينات إلى أفق سياسي ومجتمعي

بوشعيب البازي

في مغرب ما بعد الجائحة، حيث التحولات لم تعد ترفًا، والحماية الاجتماعية لم تعد شعارًا، برز اسم عبد الرحيم الشافعي كرجل يُؤتمن على قطاعٍ شائك، ولكنه جوهري: التأمينات.

ولم يكن التعيين الملكي على رأس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS) مجرد حركة تقنية في رقعة الإدارة، بل علامة على أن إصلاح الحماية ليس ممكنًا من دون إعادة بناء المعمار التأميني برمته.

منذ 19 أكتوبر 2023، تحوّل القطاع إلى ورشة مفتوحة، يُديرها رجل جمع بين رياضيات العقول وتجربة المؤسسات، واستبصر مبكرًا بأنَّ زمن التكنوقراط الجُزئي انتهى، وأن الدولة تحتاج إلى صنّاع رؤية، لا مجرد موقّعين إداريين.

من باريس إلى الرباط: سيرة رجل صنع نفسه بصمت

الذين يعرفون عبد الرحيم الشافعي عن قُرب، يُدركون أنه ليس من الذين يتكلمون كثيرًا. ولكنه، في المقابل، يُتقن فن الإصغاء، ثم الصياغة، ثم الإنجاز.

سيرته تقول كل شيء،

من جامعة روان حيث نال أولى شهاداته في الرياضيات، إلى HEC باريس حيث تشكّل وعيه الاقتصادي والإداري، كان الشافعي ينسج لنفسه طريقًا عصاميًا في عوالم التأمين التي لا ترحم الأخطاء ولا تحتمل السطحية.

وما بين عمله في مؤسسات كبرى مثل سنيا وزيورخ ووفا تأمين، ثم تجربته المفصلية في صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية (FSEC)، اكتسب الرجل خبرة حقيقية، قائمة على الميدان أكثر من المكاتب، وعلى الأثر أكثر من الملفات.

ليس مجرد تعيين.. بل ترسيم لرؤية ملكية

حين قالت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي إن التعيين الملكي “لحظة قوية”، لم تكن تصف مشهدًا بروتوكوليًا، بل تؤكد أن المغرب اختار –بوضوح– أن يضع مفاتيح قطاع التأمين في يد مسؤول لا يهوى العناوين، بل يُحب البناء.

الشافعي جاء في لحظة يحتاج فيها القطاع إلى من يعيد هندسته، لا من يُديره تقنيًا فحسب. من يُبادر، لا من يُسيّر. من يبتكر، لا من ينتظر.

“أكابس” الجديدة: جهاز يفكر ويتحرك ويبتكر

منذ تولّيه رئاسة الهيئة، لم يتأخر عبد الرحيم الشافعي في طرح معادلات جديدة:

التأمين، في نظره، ليس خدمة مالية فقط، بل بنية تحتية اجتماعية، يجب أن تكون في قلب الدولة الاجتماعية.

لذلك، أطلق برنامج “إمرجانس” (Émergence)، الذي لا يُراهن فقط على الرقمنة، بل على خلق بيئة تفكير ابتكاري، من خلال خلية مخصصة للتكنولوجيا التأمينية (Insurtech) ومواكبة حقيقية للمقاولات الناشئة.

قالها بصراحة:

“لم يعد كافيًا أن نتأقلم. في زمن الأزمات، يجب أن نستبق، ونبني، ونفتح الأبواب أمام أفكار جديدة.”

عقيدة الاندماج الإفريقي: التأمين كبعد استراتيجي

من خلال مداخلاته في قمم إفريقية، ومن أبرزها قمة التمويل الإفريقي (دجنبر 2024)، ظهر الشافعي كأحد العقول المغربية التي تُدرك أن السيادة لا تُبنى فقط بالجيوش، بل أيضًا بشبكات التأمين، وأن إفريقيا القوية تحتاج إلى سوق تأمينية موحدة، تُراكم التجربة وتوحد المعايير وتُواجه تحديات التغير المناخي من موقع جماعي.

هنا، لم يكن يتحدث فقط باسم الهيئة، بل باسم المغرب، كرؤية ملكية تعتبر أن العمق الإفريقي ليس جغرافيا، بل رهان تاريخي وتنموي وسيادي.

نهاية القول: المسؤول حين يصبح صانع تحول

في زمن يشتدّ فيه التباس المفاهيم بين “الإدارة” و”القيادة”، يظهر عبد الرحيم الشافعي كواحد من أولئك الذين لا يتركون أثرهم في الخطابات، بل في الأرقام والنتائج والمفاهيم الجديدة.

تحوّل قطاع التأمينات في المغرب، في عهده، إلى مختبرٍ للتجديد، ومجالٍ للحماية الذكية، ومنصةٍ للتفكير الاستراتيجي.

وهكذا، يتجسد أمامنا نموذجٌ إداري مغربي جديد:

لا يكتفي بتنزيل التعليمات، بل يُترجم الرؤية الملكية إلى هندسة مؤسساتية ذات أثر ملموس، تجعل من المواطن الغاية، ومن الاستباقية منهجًا، ومن إفريقيا أفقًا لا رجعة فيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com