كنا صغارًا ننتظر العطلة الصيفية لنأكل “المثلجات” من البقال، ونلعب كرة القدم بحذاء واحد مشترك بين أربعة. أما في مخيمات تندوف، فالأمر مختلف تمامًا: العطلة الصيفية هناك ليست ترفًا ولا هروبًا من الدراسة، بل هي “خطة استراتيجية خارجية”، تبدأ بجواز سفر مزور وتنتهي بصور مع العمدة الاشتراكي لبلدة نائية في جنوب إسبانيا.
إنه برنامج “عطل السلام”، الذي لا علاقة له بالسلام إلا كعلاقة “البوليساريو” بحقوق الإنسان: شعارات على ورق، ومآسٍ على الأرض.
السلام حسب جبهة البوليساريو: طقس التعميد المسيحي وجرعة تضامن يساري
تخيّل طفلًا في التاسعة من عمره، لم يذق يومًا طعم الكهرباء المنتظمة، يُنقل فجأة إلى كنيسة في الريف الفرنسي، يُلقّن دروسًا عن المسيح، ويُخضع لطقس التعميد وهو لا يفرق بين المسبحة والمجفف الكهربائي. ثم يعود بعدها إلى المخيم حاملاً في ذاكرته صورة للبابا ومصحفًا ممزقًا.
أي سلام هذا الذي يُرسل طفلاً إلى “رحلة صلاة” في صحراء نيفادا بتمويل من كنيسة إنجيلية أميركية، بينما أمه تبحث عن لتر ماء تحت شمس لاهبة بـ50 درجة؟
هذه ليست نكتة، بل هو الواقع المر الذي تمارسه جبهة انفصالية، جعلت من الأطفال أدوات استرزاق سياسي وإنساني، تحت هاشتاغ مُضلّل: #HolidayInPeace.
التسول على الطريقة الثورية: الطفل بوصفه بيانًا سياسيًا
في أوروبا، يَظهر الطفل الصحراوي، مُنهكًا، نحيفًا، يلوّح بعلم غريب عن أرضه، وسط لافتات تطالب بـ”استقلال الصحراء المغربية”.
أما في الخلفية، تقف ناشطة يسارية بشعر أشعث، توزع المنشورات وتدعو إلى “تفكيك الاستعمار المغربي”، قبل أن تصطحب الطفل إلى مأوى في ضواحي ميلانو لجمع التبرعات.
وهنا، أسمح لنفسي، كصحفي ومواطن، أن أصرّح بما لا تقوله التقارير الحقوقية بعبارات دبلوماسية:
هذا البرنامج هو ابتكار وقح من مختبرات الاتجار بالبشر، يتم تلميعه بلغة إنسانية لا تقل نفاقًا عن بيانات “منظمة الصداقة مع البوليساريو” في فالنسيا.
أطفال برسم البيع: التبني القسري وتغيير العقيدة
هل قلنا أطفال لاجئين؟ لا، بل أطفال معرّضون للخطف القانوني. شهادات من منظمات غير حكومية تؤكد أن بعض هؤلاء لم يُعادوا إلى أسرهم قط، وبعضهم يعيش اليوم حياة أخرى، بأسماء جديدة، وهوية دينية مستبدلة، وذكريات محيت عمدًا لتسهيل التبني.
والأدهى أن الأمر لا يتوقف عند حدود الانتهاك الفردي، بل يُصنّف في خانة “التطهير الثقافي الطفولي” إن جاز التعبير، حيث تُنتزع الطفولة الصحراوية من بيئتها، وتُرمى في حضن آيديولوجيات دخيلة، في إطار شراكة شيطانية بين انفصالية فقدت بوصلة التحرير، ويسار أوروبي ما زال يحنُّ إلى نضال الفاكس.
التضامن كوسيلة للاغتصاب الرمزي والفعلي
هل نتحدث أيضًا عن الاعتداءات الجنسية؟ نعم. دون رتوش.
تقارير صادرة عن منظمات صحراوية مستقلة تؤكد حالات تحرش واغتصاب، تمت في ظل غياب أي رقابة، بل وبتواطؤ بعض المسؤولين المحليين عن البرنامج. الأطفال الذين يفترض أن يقضوا عطلتهم في “سلام”، يجدون أنفسهم في جحيم مختلف، اسمه استغلال القُصّر بصمت دولي فاضح.
قالها أحد المراقبين الحقوقيين بصراحة مؤلمة:
“لو كانت هذه الانتهاكات تحدث في أراضٍ مغربية، لقامت الدنيا ولم تقعد. لكن بما أن الجلاد يرتدي عباءة الثورة، فإن كل شيء مباح!”
في حضرة عبد الفتاح.. حين يتكلم من لا يشتري الصمت
في تصريح ناري، قال محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان:
“لم يسبق للجبهة ولا الجهات المتضامنة معها أن فتحت تحقيقًا واحدًا حول الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال.”
وبينما لا تزال جبهة البوليساريو ترفع شعار “الطفولة حق مقدس”، فإنها في الواقع تستخدمهم كأوراق ضغط، و”منتوج إنساني قابل للترويج”، يُباع ويُشحن تحت تصنيف: مظلومون بحجم ملف الصحراء.
كلمة أخيرة.. أو صرخة حبر
من مخيمات لا تصلها الشمس إلا كقدر محتوم، إلى شقق باردة في أطراف برشلونة، تتنقّل مأساة الطفولة الصحراوية كسلعة رمزية، تُباع في أسواق التعاطف الإنساني.
أما العطلة، فهي ليست إلا استراحة في جدول استغلال طويل.
بوشعيب البازي لا يطلب الكثير: فقط أن يُعامل الطفل كإنسان، لا كطابع بريد سياسي يُلصق على ظرف الانفصال.
#أوقفوا_عطل_الاتجار
#StopExploitingTindoufKids