مغاربة العالم… المواطنون الذين يسكنهم الوطن ولا يسكنون القرار

بقلم: بوشعيب البازي

بمناسبة حلول مغاربة العالم إلى وطنهم الأم، تكتظ المطارات والطرقات، وتغدو الموانئ أمكنةً للعناق المؤجل، ومآذن المدن القديمة تصدح بأسماء نسينا نطقها بلكنة فرنسية أو فلامانية. إنه الصيف المغربي… موسم العودة والحنين، حيث يعود المغربيون من المنافي الطوعية، لا سُياحًا، بل أبناءً يعودون إلى أحضان أمهم الأولى، حتى وإن بدت أحيانًا باردة، مُرتبكة، لا تعرف كيف تستقبلهم.

بروكسيل، المدينة التي تحتضن جالية مغربية وازنة، شكّلت نهاية هذا الأسبوع فضاءً لتسليط الضوء على إحدى القضايا المركزية في علاقة مغاربة العالم بوطنهم الأم. ففي لقاء تواصلي، طُرحت إشكالية التمثيلية السياسية لمغاربة المهجر داخل المؤسسات الدستورية، بعيدًا عن منطق الشعارات أو الخطابات التعبوية، بل من زاوية حقوقية ومؤسساتية مشروعة، مفادها،  إلى متى سيظل ملايين المواطنين المقيمين بالخارج خارج دائرة اتخاذ القرار، رغم مساهماتهم الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة؟

ومع كل هذه الحشود التي تعبر البحر، يبقى السؤال معلقًا في الهواء:

هل يعود مغاربة العالم حقًا إلى وطن يعترف بهم، أم فقط إلى أرضٍ تفتح لهم الكاشي وتغلق دونهم القرار؟

تحويلاتهم تجاوزت 115 مليار درهم سنة 2023. أرقام مذهلة تصبّ في شرايين الاقتصاد، وتخفّف الضغط على ميزان الأداءات، وتُنشّط العقار، والخدمات، والتجارة. لكن بالمقابل، كم عدد المقاعد البرلمانية التي تُمثّلهم؟ كم مشروع قانون عُرض لأجلهم؟ كم مرة سُئلوا عن رأيهم في السياسة التي تحدد مصير وطنهم وهم بعيدون عنه بأجسادهم، قريبون منه بجيوبهم وقلوبهم؟

الجواب: صفر.

بهذه المناسبة ، اختار الكاتب الصحفي بوشعيب البازي أن يتحدث بلغة الضمير، لا بلغة الشعارات، مستحضرًا مأساة التمثيلية الغائبة لمغاربة العالم، بالرغم من أن الدستور خصّهم بثلاثة فصول، والخطابات الملكية شدّدت مرارًا على تمكينهم من حقوقهم السياسية الكاملة

اختار الصحفي بوشعيب البازي أن يتحدث، لا عن العطلة الصيفية، بل عمّن لا يُذكرون إلا في حملات “مرحبا”، أو تقارير تحويلات العملة الصعبة: مغاربة العالم. أولئك الذين يعيشون خارج الحدود، لكن قلوبهم لم تبرح ساحة النضال الوطني.

“كفى من اختزالهم في الحوالات، أو في لقطات مطار محمد الخامس! إنهم ليسوا مجرد جالية، بل هم مواطنون كاملو المواطنة، لهم أسماء، ووجوه، وأطفال يُولدون على حكايات المغرب”، قال البازي في كلمته التي لقيت تفاعلاً واسعاً من الحاضرين.

115 مليار درهم… ولا صوت!

بحسب المعطيات الرسمية، فإن تحويلات مغاربة الخارج بلغت سنة 2023 أكثر من 115 مليار درهم. رقم فلكي، يعكس ليس فقط ارتباطهم بالوطن، بل إيمانهم بدوره، واستعدادهم الدائم للمساهمة في ازدهاره. ومع ذلك، يُقصَون من البرلمان، وتُجهَض أحلامهم في التصويت، ويُنظر إليهم كزائرين مؤقتين على هامش السيادة.

ولأن البازي صحفي يعرف كيف يحوّل الإحصاء إلى خطاب، فقد شبّه مغاربة الخارج باللاعب الدولي أشرف حكيمي: “هو وُلد في مدريد، نعم، لكنه غنّى النشيد الوطني كما لا يستطيع كثير من نواب الأمة. هو تجسيد للعاطفة الوطنية التي لا تحتاج فيزا للانتماء”.

ما بعد كأس العالم… هل من دولة اجتماعية؟

في كلمته، ربط الصحفي المغربي بوشعيب البازي بين التحديات المقبلة التي تنتظر البلاد، خاصة في أفق احتضان مونديال 2030، وبين ضرورة توسيع دائرة المشاركة السياسية، وفتح المجال أمام مغاربة العالم ليصبحوا شركاء في التشريع، لا فقط سعاة بريد للتحويلات المالية.

لكنه، كعادته، لم يغفل عن الإشارة إلى الألغام الاجتماعية التي تهدد هذا الحلم، من تضخم ينهش جيوب الأسر، إلى بطالة تطرد شباب المدن الصغرى نحو الهامش، إلى غلاء معيشة أصبح أكبر من قدرة الحكومة على التبرير.

“الاحتفال بمونديال لا يمكن أن يخفي فواتير الماء والكهرباء، ولا أن يغسل مرارة صندوق المقاصة، ولا أن يمحو احتقار السياسة لأبناء الجالية”، قال البازي بأسلوبه الذي يمزج بين الحكمة والغضب المشروع.

من الخطاب الملكي… إلى دهاليز التأجيل السياسي

الدستور المغربي واضح. ثلاث فصول تكرّس حقوق مغاربة العالم. والخطاب الملكي في 20 غشت 2022، كان أكثر وضوحًا في توجيهاته الصريحة لإدماجهم في الحياة السياسية. لكن كما عوّدنا الواقع، ما إن يُغلق التلفزيون، حتى يُفتح ملف التأجيل… والمماطلة.

في كلمته، حمّل بوشعيب البازي المسؤولية السياسية والأخلاقية للحكومة، التي لم تبادر، رغم مرور عقدين على النقاش، إلى إدراج مشاركة الجالية في المساطر الانتخابية. لا دوائر، لا لوجستيك، لا إرادة!

حزب جبهة القوى… بين التواضع والمبادرة

اللقاء لم يكن مناسبة للمزايدة الحزبية، بل أقرب إلى مرآة صافية علّق فيها البازي انشغالاته القديمة، كرجل خبر المقاهي السياسية، ودواليب التحرير، ومقاهي المهاجرين في بلجيكا وفرنسا. لكن في جوهر كلمته، كانت هناك دعوة لليقظة: إن التمثيلية السياسية للجالية ليست امتيازًا، بل واجب دولة تحترم نفسها.

مغاربة العالم… بين الوطن الذي يحبون، والبرلمان الذي لا يراهم

ليست المسألة في أن يصوّت مغربي في ليون أو يترشح مغربي في أوتريخت. المسألة أعمق،هل نؤمن حقًا أن المواطنة لا تُحدَّد بالمسافة الجغرافية، بل بالانتماء القلبي؟

وإلى أن تُفتح صناديق الاقتراع لهم، سيظل الوطن مدينًا لهؤلاء بصوت، ومقعد، واعتراف.

#صوتي_حقي

#مغاربة_العالم_يمثلون_الوطن

#التمثيلية_السياسية_للجالية

#لا_تنمية_بلا_جميع_المغاربة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com