“ما شافوهمش وهما تي سرقو… ولكن شافوهم وهما تي فرّقو!” قصة هشام جيراندو ويوسف الزروالي: من التآمر إلى التناحر تحت مجهر العدالة
بوشعيب البازي
في بلادنا العزيزة، حين يشتد الخناق على المتورطين، لا يجدون غير بعضهم البعض ليعزفوا سيمفونية “الخيانة المتبادلة”، بنغمة نشاز لا يعرفها القانون… إلا ليعيد توزيعها على نغمة واحدة: الحبس النافذ.
قصة اليوم ليست من تأليف هوليود، ولا من إنتاج نتفليكس، بل من عمق الواقع المغربي، حيث اجتمع شخصان، لا يربط بينهما شيء سوى الطمع والتلاعب بعواطف الناس: هشام جيراندو، الهارب من العدالة والمحكوم عليه بـ15 سنة سجنا في ملفات ثقيلة تتراوح بين النصب وتكوين عصابة، ويوسف الزروالي، “الفاعل الجمعوي” الذي تحول فجأة إلى فاعل في مسلسل بوليسي.
لا شافوهم وهما تي سرقو…
القصة بدأت في الظلام، حين كانت “المصلحة” تقتضي التعاون والتكتم، وتبادل الأدوار بين مؤثر يبحث عن مشاهدات وآخر يبحث عن ملاذ من العدالة. “جيراندو” كان في الظل، والزروالي في الضوء، لكن الخيوط كانت مشدودة بإحكام: تمويلات، خدمات، تبادل “منافع”، وتواطؤات صامتة. وكما يقول المثل المغربي: “اللِّي ما بانْ فالفْرْن ماشي خبّاز”… ولكن في هذه الحالة، كلشي بان، حتى دخان الفرن!
…ولكن شافوهم وهما تي فرّقو
ما لم يتوقعه جيراندو ولا الزروالي هو أن زمن “السرّ” قد ولّى، وأن كل واحد منهما كان يسجل للآخر، يحصي أنفاسه، ويرتب له فخا بلغة تقنية عالية: صوت، صورة، وتوقيت دقيق. الثقة؟ ما كايناش. الصداقة؟ فيلم قديم. كل شيء كان مبني على “مَن يسبق إلى الطعنة أولاً”. والنتيجة؟ تبادل الاتهامات والتشهير و”الغدر المؤطر قانونيا”.
فجأة، ظهر الزروالي ليهاجم جيراندو، ويتهمه بتوريطه، بينما خرج جيراندو ليكشف خبايا التمويل والتواطؤ والاتفاقات السرية. المشهد تحول من “تعاون مشبوه” إلى “طلاق إعلامي” أمام كاميرات اليوتيوب.
العدالة هي الحكم
في غمرة هذا السجال، لا صوت يعلو فوق صوت القانون. لا تسجيلات مفبركة، ولا دموع التماسيح، ولا “بوستات” متشنجة على فيسبوك ستغير من الحقيقة شيئاً. التحقيقات القضائية وحدها من ستحدد:
من كان العقل المدبر؟ ومن كان الأداة؟ من سرق؟ ومن ادّعى التضحية؟ من كان يشتغل عند من؟
واحدة من أجمل لحظات هذه المسرحية السخيفة، هي أن كل واحد منهم يعتقد أنه أذكى من الآخر، بينما العدالة تتابعهم بنفس الهدوء الذي تُخبَز به ملفات المتابعة الجنائية. لا استعجال، ولكن لا نسيان.
في المغرب، لا شيء يدوم سوى أرشيف المحاكم.
من يعتقد أن تسجيل مكالمة سيُنقذه، سينتهي حتماً في تسجيل آخر وهو يُجرّ إلى قاعة المحكمة.
أما الشعب، فقد تعب من “الفْعَلة” و”النّصابة المؤثرين”، وكل ما يريده هو أن تعود الثقة إلى العمل الجمعوي النبيل، لا أن يصبح غطاءً لعصابات رقمية.
والعدالة، حتى لو تأخرت، غادي توصل.
والمذنب، ولو سجل مائة مكالمة، غادي يْسمع الحُكم… بلا خلفية موسيقية.