بنكيران ينصح الفتيات: “اتركن الدراسة وتزوجن”… وموجة السخرية تعصف بتصريحاته!

سومية العلكي

في خطوة لا تخلو من “الحكمة النبوية” على الطريقة الشعبوية، قرر عبد الإله بنكيران، الزعيم الروحي لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية السابق، أن يُنقذ الفتيات المغربيات من مصير الشهادات الجامعية عبر نصيحة ذهبية: “تزوجن ولا تؤجلن فرصة الزواج، فالدراسة لن تنفعكن في شيء”.

تصريحات بنكيران، التي جاءت خلال تجمع حزبي في أكادير، لم تكن مجرد زلة لسان عابرة، بل كانت قنبلة صوتية موقوتة انفجرت في وجه كل ما راكمته المرأة المغربية من نضالات، وشهادات، ومكتسبات، ومقاعد دراسية في جامعة محمد الخامس، وصولاً إلى مقاعد الحكومة.

لكن الأغرب من التصريح نفسه هو توقيته ومكانه. فالرجل لا ينصح ابنته، التي تتنقل بين الجامعات الفرنسية والمجتمع الأكاديمي بنجاح مبهر، بل يوجه كلامه إلى بنات الشعب، مُحذّراً إياهن من المصير التعيس الذي قد ينتظرهن إن هن تأخرن في القفز إلى قارب الزواج، وكأنهن طيور نورس ضائعة في محيط أطروحات الماجستير والدكتوراه.

#الزواج_خير_من_الماستر؟

لا عجب أن التنسيقية النسائية من أجل التغيير العميق والشامل لمدونة الأسرة ـ والتي تضم أكثر من ثلاثين جمعية ـ اعتبرت أن بنكيران عاد بخطابه عقوداً إلى الوراء، إلى حيث كانت البنات “يحسّن” الزواج قبل حتى أن يتعلمن فك الحروف. التصريح ـ حسب التنسيقية ـ ينتهك الحق في التعليم والعمل، ويشكّل عنفًا رمزيا ضد النساء، ويخون روح الدستور الذي صوت عليه المغاربة… بمن فيهم نساء يحملن الشهادات.

ويبدو أن بنكيران قرر لعب ورقة “النوستالجيا السياسية”، عبر استدعاء جمهوره المحافظ الذي فقده بعد انتخابات 2021، أملاً في العودة إلى الواجهة عبر خطاب محشو بالحنين إلى زمن “المرأة في البيت”، و”الزوجة الصالحة خير من الماستر”، وكأننا في حملة تعبئة لبرنامج اجتماعي على قناة “الناس”.

الشعبوية على أنقاض البنات

بوشعيب البازي ، كاتب و صحفي فسر خرجة بنكيران الأخيرة لم تكن سوى حلقة إضافية في مسلسل خلط الأوراق، حيث يُلغي الفارق بين المنبر الانتخابي ومنبر الجمعة، ويحول قضايا النساء إلى صكوك ولاء انتخابي، يتلوها على جمهور ينتظر منه أكثر من مجرد تلاوة خطاب متعب. فكما يرى الدكتور رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، فإن زعيم “البيجيدي” لا يطرح مواقف بقدر ما يختبر صدى صوته في قاعة مكتظة بالحنين إلى الماضي، ماضٍ ترفضه المادة 19 من الدستور، التي نصّت بوضوح على المساواة دون تمييز. بنكيران، بمنطقه الانتقائي، لا يبحث عن حلول، بل عن فوضى فكرية تتيح له ركوب الموجة من جديد، ولو على حساب حق الفتيات في الحلم والمساواة والتعلم

الصدمة الكبرى، حسب فاعلات نسويات، لم تكن فقط في المضمون، بل في التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة. فبينما يطلب من بنات الأسر الشعبية أن يطفئن أحلام التعليم ويبحثن عن زوج في أقرب حي شعبي، يحرص على تعليم بناته في مدارس فرنسية خاصة، ويمدح نساء حزبه عندما يتقدمن لمسؤوليات عليا… لكن دون أن يتجرأ على تعيين واحدة منهن أمينة عامة للحزب. المساواة عند بنكيران، يبدو، لها سقف زجاجي لا يخترقه إلا الرجال.

ما بعد التصريح: الشارع يرد، والنساء لسن نورساً

الشارع المغربي لم يتأخر في الرد، على شكل تغريدات لاذعة وتعليقات تسخر من “نظرية النورس” التي طرحها بنكيران. البعض اقترح إدراجها في مناهج الفلسفة تحت عنوان “مفارقة النورس العانس”، بينما اقترح آخرون تخصيص منحة دراسية لكل فتاة رفضت نصيحة بنكيران وقررت مواصلة تعليمها، ولو في سن الثلاثين.

أما الجمعيات النسائية فقد طالبت برد رسمي من مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ضد ما اعتبرنه خطابًا تمييزيًا رجعيًا، يستهدف فتيات البيئات الهشة، ويغذي الهدر المدرسي باسم الزواج، ويعرقل سياسات التمكين الاقتصادي والاجتماعي.

حلالٌ عليّ، حرامٌ عليك؟

يبقى السؤال الذي يطارد بنكيران: لماذا يُسمح لابنته بالتعلم والعمل، ويُمنع ذلك على بنات الشعب؟ ولماذا تُعتبر المرأة ركيزة المجتمع عندما تصوّت لحزبه، وعقبة في وجهه عندما تطالب بحقوقها؟

تصريحات من هذا النوع قد تعيد الزعيم الإسلامي إلى الأضواء، لكنها بالمقابل قد تضعه وجهاً لوجه أمام عاصفة نسائية لا ترحم، وخاصة عندما تكون هذه العاصفة حاملةً لشهادات في القانون والعلوم السياسية والاقتصاد، ولا تقبل أن يُختصر مصيرها في زواج، أو “طيران عشوائي على طريقة النوارس”.

#أنا_لست_نورساً

#التعليم_حق_لا_نعمة

#بنكيران_والحنين_إلى_زمن_الحريم

#السياسة_ليست_حضانة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com