بوشعيب البازي يكتب: عندما يصبح الجلاد نزيلاً في زنزانة التعذيب التي بناها بنفسه…
من كان يعتقد أن آلة القمع الجزائرية ستأكل أبناءها بهذه الشهية؟ بالأمس كان الجنرال ناصر الجِنّ (الاسم الحركي لعبد القادر حداد) يُرعب الجزائريين من غرفة التحقيق في بن عكنون، واليوم صار نزيلاً فيها. أليس في الأمر شيء من العدالة الشعرية؟ بل قل، سخرية سوداء كتبها القدر على آلة طبعها بالدم.
هذا الجنرال الذي يشتهر بسيرة أمنية منزوعة الرحمة، والذي أعيد بعناية إلى الواجهة عام 2021 في محاولة يائسة لترهيب الحراك الشعبي، وجد نفسه اليوم في قلب “دار الحق”، ليس أمام ضحاياه، بل أمام زملائه في نفس الزنزانة. وما أدراك ما الزملاء! إنهم خمسة جنرالات سابقين للاستخبارات، كلٌّ منهم يحمل مفاتيح أسرار دولة تُدار كخلية سرطانية بلا جهاز مناعة سياسي.
ففي الجزائر، لا أحد يترقى إلا ليُسجن. لا أحد يُكافأ إلا ليُقمع لاحقًا. لا أحد يُعيَّن إلا بصفة مؤقتة على مفرمة رؤوس. وإن تساءلت عن أطول مدة قيادة في المخابرات، فستجدها حكرًا على من لم يُعيَّن رسميًا، كجبار مهنا، الذي حكم في الظل حتى أنهكه الضوء.
الجنرالات في الجزائر لا يحلمون بالترقية، بل بالخروج من مناصبهم أحياء. #الجزائر_تحكمها_الزنزانة
لقد دخلت الجزائر موسوعة غينيس في عدد مديري الاستخبارات الذين ينتهي بهم المطاف في السجن. خمسة رؤساء سابقين للمخابرات، عشرات الجنرالات، وكلهم يسيرون على جمر الشك والريبة، فلا ثقة في الحليف ولا أمان من الخصم، ما دامت ولاءات الأجهزة الأمنية تُعدّل بتوقيت مزاج شنقريحة، ويعاد شحنها حسب تقلبات “الرئيس الافتراضي” تبون، الذي يبدو أنه لا يثق حتى في مرآته.
ما نراه اليوم ليس سوى عرض مسرحي رديء، حيث يتغير الممثلون ويُعدمون على الخشبة أمام جمهور مكبل بالخوف. أما السيناريو، فقد كتبه ضباط شاخت ذاكرتهم في دهاليز القمع، ونسوا أن السوط قد يعود في النهاية ليلسع اليد التي حملته.
ويبدو أن أهم مؤسسات البلاد – DGSI، DDSE، DCSA – صارت مثل فرق موسيقية بدون قائد أوركسترا. كل جنرال لا يتجرأ على اتخاذ قرار إلا بعد أن يحلف اليمين بأن ولاءه خالص للزعيم الحالي… حتى يكتشف أن الزعيم نفسه يخضع للمراقبة!
في أي دولة محترمة، تكون الاستخبارات جهازًا خفيًا لا يُرى. أما في الجزائر، فهي مسلسل يومي يعرض على الشاشة الوطنية، حيث كل حلقة تبدأ بعنوان: “اعتقال جديد… إقالة جديدة… ذُلّ جديد”. وكأننا نشاهد “لعبة العروش”، بإخراج هواة، وتمثيل جنرالات بلا ضمير، وجمهور مرغم على التصفيق لمن سيسقط لاحقًا.
وما يزيد المشهد مأساوية أن من تم الزج بهم في السجون اليوم هم أنفسهم من صاغوا أساليب التعذيب بالأمس. ولكن في ظل غياب قضاء مستقل، وعدالة انتقالية، وشعب مُنظم، لن يكون هذا السقوط سوى عملية إعادة ترتيب داخلية لمافيا عسكرية تتصارع على الريع أكثر مما تتصارع على السيادة.
الرسالة واضحة: “كن وفيًا لأي جناح، لكن لا تنم مرتاحًا!”
أما الجيش، فقد تحول إلى ما يشبه شركة أمن خاص، لا تُدافع عن الوطن، بل تحرس الفوضى. فهل ننتظر من هذه المؤسسة أن تقود مستقبلًا ديمقراطيًا؟ الجواب عند شنقريحة… أو في زنزانته القادمة.
#الجنرالات_في_الرعب
#سجن_الاستخبارات
#الجزائر_تحكمها_الزنزانة
#نظام_يأكل_أبناءه
#بوشعيب_البازي_يكتب