في منعطف إفريقي جديد، يتقاطع فيه منطق التاريخ مع حسّ الجغرافيا، أطلّ الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما من الرباط هذه المرة، لا بصفته الرسمية، بل بلسان سياسي حرّ، ليقول ما لم يجرؤ عليه من سبقوه في بريتوريا: الصحراء مغربية… والحكم الذاتي هو الحل.
زوما، الذي اعتاد الرأي العام المغربي أن يراه في خانة المهادنة أو التردد، قلب المعادلة. فها هو، كرئيس لحزب “أومكونتو وي سيزوي” الذي خرج من رحم الكفاح ضد الأبارتايد، يعلن من العاصمة المغربية تأييده الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي، بل ويذهب أبعد من ذلك حين يقول إن هذا المقترح “يعزز السيادة المغربية، ويضمن للساكنة الصحراوية حُكماً محلياً ملموساً”، مع دعوته الصريحة إلى دعم دولي لهذا التوجه.
الذاكرة أقوى من البروباغندا
في لحظة سياسية تحوّلية، يعود زوما إلى التاريخ المشترك، ويستحضر اللقاء الذي جمعه بالملك محمد السادس في أبيدجان عام 2017، مؤكداً أن ذلك اللقاء لم يكن مجرد صورة بروتوكولية، بل كان بداية انتقال من “سوء الفهم” إلى “تفهم المواقف”. ويبدو أن اللقاء لم يترك فقط أثراً دبلوماسياً، بل زرع أيضاً وعياً سياسياً متجذراً بدأ ينضج في مواقف حزب زوما.
والرسالة الأهم في خطاب الزعيم الجنوب إفريقي تكمن في قوله:
“المطالبة المغربية بالصحراء سابقة للاستعمار… والبيعة للعرش المغربي هي الأصل وليس الاستثناء”.
بهذه العبارة، يتحدى زوما كل سرديات الانفصال المفبركة، ويفتح الباب لمراجعة إفريقية حقيقية لما يسمى بـ”قضية الصحراء”، من منطلق أن زمن الشعارات قد انتهى، وأن زمن الواقعية قد بدأ.
الصحراء كمختبر للوحدة الإفريقية
في الوثيقة السياسية الصادرة عن حزبه، اختار زوما عنواناً دالاً: “شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتمكين الاقتصادي والوحدة الترابية: المغرب”. وهذا العنوان، بقدر ما يبدو طويلاً في اللغة، بقدر ما هو موجز في الدلالة ، لا وحدة إفريقية دون احترام سيادة الدول، ولا تمكين اقتصادي دون استقرار سياسي، ولا استقرار دون الاعتراف بالمشروعية التاريخية.
من اللافت أن زوما في تصريحاته الأخيرة، لم يكتفِ بالإشارة إلى دعم حزبه، بل استعمل لغة العارف بخلفيات الملف، والمتتبع لمساراته القانونية والدبلوماسية، بل حتى التاريخية، حين تحدث عن “المسيرة الخضراء كحركة تحرير غير عنيفة”، وكأن به يقول ، “من كان له 350 ألف مواطن يمشون عُزّلاً نحو أراضيهم، فحقه لا يُناقش بل يُعترف به”.
من موقع الصحفي المتابع لدهاليز السياسة الإفريقية يصرح الكاتب الصحفي بوشعيب البازي بلا تحفظ ، ما قاله زوما من قلب الرباط أقوى من كل صمت بريتوريا الرسمي.
“هو انقلاب ناعم على الرواية التي لطالما احتكرها خصوم المغرب داخل الاتحاد الإفريقي، وتأكيد على أن النضال الحقيقي لا يعني أن نرث ملفات جاهزة دون تمحيص، بل أن نعيد قراءتها بنزاهة وبوعي إفريقي جديد”.
الزعيم الجنوب إفريقي، الذي تمرّس في خطاب الكرامة الإفريقية، فهم جيداً أن دعم الحكم الذاتي ليس مجرد انحياز للمغرب، بل انحياز لحل عادل، واقعي، ومنسجم مع السياق الجيوسياسي الجديد للقارة، والذي يفرض بناء جسور لا افتعال حدود وهمية.
ولعل الدرس الأهم من زيارة زوما هو التالي: حين تصمت الشعارات، يبدأ صوت العقل في الحديث… ومن الرباط، تكلمت بريتوريا لأول مرة بعقلانية.
#الصحراء_مغربية #الحكم_الذاتي #إفريقيا_المستقبل #جاكوب_زوما #المغرب_ينتصر