في ركنٍ ما من هذا العالم، في شقة صغيرة قد تكون في عمارة أنيقة أو حيّ شعبي متعب، يعيش رجل وامرأة لا يجمع بينهما شيء سوى لقب “زوجين” في دفتر الحالة المدنية. لا نوم في نفس الغرفة، لا أكل على نفس الطاولة، ولا كلمة طيبة تُلقى إلا بحساب، كأنها صدقة على روح ميت.
هذا ليس زواجًا. هذا هدنة دائمة بين طرفين تعبوا من القتال، لكنهم يرفضون الاعتراف بالهزيمة أمام الجمهور. هم لا يعيشون معًا، بل يتعايشون، كما يتعايش المسجون مع جدران زنزانته. أمام الأطفال، يمثلون دور “العائلة السعيدة” بمهارة تستحق جائزة أوسكار، وخلف الأبواب المغلقة، كلٌّ يغني على جراحه بصمت.
الطلاق الصامت هو الشكل الأكثر قسوة من الطلاق. لا قاضي، لا مذكرات تبليغ، لا محامين يتصارعون على النفقة أو الحضانة. إنه انفصال داخلي، انهيار عاطفي كامل يتم في صمت مُحترف، صمت يُتقن فن القتل البطيء للحياة الزوجية دون أن يُحدث ضجيجًا.
هي تعرف أنه لم يعد يراها. وهو يعرف أن قلبها في مكان آخر. كلاهما يملك علاقة خارج هذا القبر الأسري، علاقات تُسعف النفس الجائعة إلى الدفء أو الكلام أو حتى الغباء الجميل الذي يجعل الإنسان ينسى أين يعيش. في هذه العلاقات الخارجية، يسترد كل طرف شيئًا من نفسه: ضحكة مسروقة، رسالة حب مسائية، أو حتى جلسة في مقهى بعيد دون أن يضطر لادعاء أي شيء.
لكن السؤال الحقيقي ليس: “لماذا لا يطلقان؟”
بل: “لماذا يستمران في هذا التعذيب الممنهج؟”
الجواب بسيط ومعقّد في آنٍ معًا:
لأن المجتمع لا يغفر الفشل، ولأن الأطفال لا يفهمون الرماد، ولأن الأم تخشى نظرة أختها، والأب يخاف من كلام الجيران، وكأن الطلاق جريمة، بينما الموت البطيء في زواج تعيس يُعتبر صبرًا يُثاب عليه.
هذا الزواج انتهى منذ سنوات. لم يبقَ منه إلا الصور القديمة على جدار الصالون، وبعض ذكريات تائهة في هاتف نسيه الزمن. لكن المسرحية مستمرة. والديكور ما زال قائمًا. والممثلون، رغم التعب، يواصلون أدوارهم لأن العرض لم ينتهِ بعد.
في هذا النوع من العلاقات، لا أحد يربح. الجميع خاسرون: الزوجان، الأبناء، حتى القط المنزلي يشعر بأن شيئًا ما ليس على ما يرام. ومع ذلك، يستمر العرض.
وفي النهاية، لا يسعنا إلا أن نقول:
هناك زيجات لا تتمناها حتى لعدوك…
لأنها لا تقتلك دفعة واحدة، بل تتركك تتعفن حيًّا في صمتٍ فاخر