حين تُخرّب السياسة ملعب الرياضة — الفريق الجزائري في كأس أفريقيا نموذجًا

بوشعيب البازي

عندما يشارك فريق وطني في بطولة دولية، فإن ذلك لا يكون فقط لتمثيل بلاده في مباريات كرة القدم، بل أيضًا لترسيخ صورة إيجابية عن بلده بين الأمم، في سلوكياته، وانضباطه، واحترامه لقواعد المنافسة الرياضية ومؤسساتها. غير أن ما حدث مع الفريق النسوي الجزائري خلال مشاركته في كأس أفريقيا للسيدات، التي احتضنها المغرب، شكّل نموذجًا صادمًا لما يمكن تسميته بـ”تسييس العجز الرياضي”.

فماذا يربح فريق كرة قدم حين يتعمد إخفاء اسم الدولة المستضيفة على لباسه الرسمي؟

وما المغزى من إتلاف لافتات المؤسسات الراعية التي تحمل أعلام الاتحاد الأفريقي وشعارات المملكة المغربية؟

الأكيد أن مثل هذه السلوكيات لا تُضيف شيئًا إلى الرصيد الرياضي للفريق الجزائري، بل تُخصم منه الكثير. إنها انحراف عن الهدف، وتشويش على التركيز، وإضاعة لجهد كان أولى أن يُصرف في التحضير الجاد للبطولات.

الأخطر من ذلك أن “الحساسية من المغرب” لم تعد مجرّد موقف سياسي، بل تحوّلت إلى عقيدة تُلقّن حتى لفتيات يُفترض أن الرياضة تُنمّي فيهن قيم الاحترام والتسامح والروح الرياضية. فالعدوى تجاوزت السياسيين، لتصيب مدربات ولاعبات وحتى صحافيين رافقوا الفريق. العدوى نفسها كلّفت “فيلقًا” إعلاميًّا جزائريًّا بمهمة مستحيلة: متابعة البطولة دون النطق باسم البلد المنظّم. البطولة تجري في المجهول، بلا خريطة ولا جغرافيا… فقط لأن ذكر “المغرب” يبدو ممنوعًا من الصرف الإعلامي.

هذه السلوكيات لا تُسهم فقط في تشويه صورة الفريق الجزائري، بل تضع الجزائر في موقف حرج أمام الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، الذي يرى كيف يُداس على احترامه المؤسسي في بطولة يشرف على تنظيمها، داخل بلد يحظى بثقة كبيرة لاحتضان الأحداث الرياضية الكبرى. المغرب لا ينتظر شهادة من خصومه؛ فكلّ من يتابع الحركية الرياضية والتنموية في المملكة يدرك أن تنظيمه المتقن للبطولات هو نتيجة طبيعية لسياسة استباقية يقودها الملك محمد السادس، تجمع بين الاستثمار في البنيات التحتية ورفع إشعاع البلاد دوليًّا.

أما في المقابل، فالجزائر تبدو منشغلة بشيء آخر تمامًا: إدامة الخصومة مع المغرب، حتى على حساب الرياضة. ولو أن جزءًا من هذا الجهد الإيديولوجي وُجّه نحو إصلاح البنية الكروية المحلية أو تشجيع المواهب الرياضية، لكانت المكاسب أكبر بكثير. الجزائر، التي تواجه تحديات اقتصادية وسياسية داخلية، قد تجد في التعاون الإقليمي مع المغرب منفذًا نحو الاستقرار والنماء، لا سيّما في ظل تجارب وحدوية ناجحة في مناطق أخرى من العالم أفضت إلى تجاوز النزاعات التاريخية.

وفي الوقت الذي يُراكم فيه المغرب المكاسب الدبلوماسية، ويتقدّم بثبات في مسار تعزيز وحدته الترابية عبر مقترح الحكم الذاتي، يُفضل الإعلام الجزائري التعتيم والمكابرة، رافضًا الاعتراف بأن المغرب صار له أنصار حتى داخل قلعة جنوب أفريقيا السياسية، بعدما أعلن حزب “رمح الأمة” بقيادة جاكوب زوما دعمه الصريح لوحدة التراب المغربي. خبر كهذا لا يليق بخط تحرير وسائل الإعلام الرسمية في الجزائر، لأنه يُربك سرديتها الثابتة، ويُظهر بأن العزلة الفكرية تُصيب القناعات المغلقة لا الوقائع السياسية.

 تظلّ الرياضة مجالًا إنسانيًّا، لا تُجدي فيه لغة الشكوك ولا سلوكيات العداء الطفولي. فالمنتخبات تُبنى بالتحفيز، لا بالتحريض، وبالاستعداد الجاد، لا بتوزيع الشعارات على قمصان اللعب. والمغرب، المنهمك في صَون حقه الوطني وإنجاح مشروعه التنموي، لا يجد الوقت للرد على تلك المشاغبات، لأنه ببساطة مشغول بما ينفعه… وينفع حتى أولئك الذين يخاصمونه بلا سبب وجيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com