“محامية بالنهار، معاقة بالورق: حين تضحك بعض الملفات على النظام البلجيكي”

بوشعيب البازي

من قال إنك لا تستطيع أن تكون كل شيء في الحياة؟ في بلجيكا، يبدو أن الأمر ممكن، بل ومكافأ عليه أيضًا. محامية متمرسة، لبقة في المرافعة، دقيقة في الحجج القانونية… ومع ذلك، استطاعت أن تقنع السلطات البلجيكية بأنها لا تقوى حتى على الجلوس خلف مكتب بسبب مشاكل صحية مزمنة منذ 2016.

الصدمة؟ لا. نحن أمام قصة تكررت كثيرًا، ولكن هذه المرة بجرأة تستحق أن تُدرّس في كلية “فن استغلال أنظمة الرفاه الأوروبي”.

بروكسل تنام… والحقائب تسافر

السيدة – ولن نذكر اسمها مراعاةً لمشاعر الورق المخدوش في أرشيف INAMI – كانت تعيش حياة مزدوجة بإتقان مدهش. من جهة، تُرافع في المحاكم المغربية منذ عام 2003، تدافع عن الحقوق والقانون والدستور… ومن جهة أخرى، تُقدم نفسها لبلجيكا على أنها مواطنة منهكة، مكسورة الجسد، بالكاد تستطيع تحريك الفأرة أمام شاشة الكمبيوتر.

وبين هذا وذاك، كانت تحصل شهريًا على تعويضات اجتماعية معتبرة، مخصصة لأولئك الذين تدهورت حالتهم الصحية لدرجة تعيقهم عن ممارسة أي مهنة. ويا للمفارقة… لقد كانت تمارس واحدة من أكثر المهن تطلبًا عقليًا وجسديًا!

شقة اجتماعية… وعائلة مغربية بالعرض الكامل

المرأة – أو المشروع التجاري الناجح بامتياز – لم تكتفِ بالمال، بل استحوذت أيضًا على شقة اجتماعية في قلب بروكسيل، رغم أن أطفالها لم يسبق لهم أن رأوا باب مدرسة بلجيكية من الداخل. دليل إضافي على أن الإقامة الحقيقية كانت في الرباط أو الدار البيضاء، وليس في حي مولنبيك كما هو مسجل رسميًا.

الغريب أن السلطات لم تتساءل، طوال هذه السنوات، عن كيفية إرسال إشعارات البريد إلى مقيمة دائمة في المغرب. ربما كانت الحمامة الزاجلة البلجيكية تقوم بعمل إضافي دون علم إدارة البريد.

الدولة تُلدغ من الجيب نفسه مرتين

حين انفجرت الفضيحة، سارع جورج-لويس بوشيه، رئيس الحزب الليبرالي، ليعلن أن “النظام الاجتماعي البلجيكي أصبح غربالاً بحجم محطة قطار”. الرجل لم يُخفِ امتعاضه، وصرّح بأن هناك مئات الحالات الشبيهة، حيث يجيد البعض القفز بين العواصم دون أن تلتقطهم رادارات التأمين الصحي.

وقال بوشيه ما معناه: “المشكلة ليست فقط في الاحتيال، بل في نظام يسمح بالاحتيال، ويكافئ عليه بالصمت”. وكأن الدولة تسير وفق مبدأ: “إذا لم نرهم، فلن يؤذونا”… حتى تأتي التقارير المالية لتقول ، لكنهم كلفونا الملايين، يا ذكي!

المحاكم تفتح الملفات… والمتهم يطلب تأجيلًا طبيًا؟

وفق مصادر من داخل الحكومة، فإن السيدة قد تُستدعى للمحاكمة بتهمة الاحتيال الاجتماعي واستغلال موارد الدولة. والسؤال الذي يهمّنا جميعًا، هل ستدافع عن نفسها بنفسها؟ وهل ستُحضِر ملفّها الطبي القديم كدليل على “عجزها” عن مواجهة القاضي؟

أم أن المحكمة ستُفاجَأ بأنها خصمها… ومحاميتها في الوقت ذاته؟

هل الحل في التكنولوجيا… أم في غلق الحدود الورقية؟

في مواجهة هذا العبث المقنن، تعهدت الحكومة البلجيكية بتفعيل اتفاقيات تبادل البيانات مع دول أخرى، وعلى رأسها المغرب، لضبط شبكات الغش الاجتماعي.

لكن، لنسأل أنفسنا ببراءة المواطن الذي يدفع ضرائبه كل شهر:

هل نحتاج إلى أجهزة كشف الكذب في مراكز CNM؟ أم إلى دروس في “النية الحسنة” داخل البرلمان؟

أم أن المطلوب ببساطة هو سؤال بديهي واحد في كل ملف:

أين تقيم فعليًا؟

ولماذا لم يرَ طبيبك وجهك منذ عام 2017؟

في النهاية…

إذا كانت المحامية قد فعلت كل هذا بقدرات محدودة – حسب قولها – فماذا كانت لتفعل لو كانت بكامل صحتها؟

ربما كانت لتصبح وزيرة في بلجيكا… أو رئيسة صندوق الضمان الاجتماعي، من يدري؟

النتيجة الوحيدة المؤكدة هي أن “الغباء الإداري” ما يزال أقوى من “النية السيئة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com