رحلة جديدة إلى الجزائر… ليست من أجل النضال، ولا من أجل الريف، ولا حتى من أجل فلسطين التي صارت تُستعمل كورقة توت حين تنكشف العورات. الرحلة هذه المرة لإنقاذ المؤخرة، نعم المؤخرة السياسية التي احترقت في أوروبا، وأصبحت بحاجة إلى مقعد جديد، وإن كان في عاصمة الجنرالات.
قبل أن نصبح شهودًا على هذه الكوميديا الرديئة، لطالما قلناها – وبعضنا ندم – أن نضال الريف لا يباع في أسواق النفط ولا يُنشر على قنوات “الشروق”. وقلناها بأمانة: من يأتي بخير للريف، نُبَسّ نعليه قبل رأسه. لكن… ها نحن اليوم نتابع من هولندا وبلجيكا إلى الجزائر مسرحية طويلة عنوانها “مناضلون بلا قضية… وميزانية بلا سقف”.
المضحك في القصة، أنهم قبل عام ونصف، كانوا يتشاجرون على ثمن قاعة من 200 يورو، ويغسلون قمصانهم ليلاً لتجف صباحًا، واليوم… بزّات فاخرة، فنادق بخمس نجوم، موائد من عدة أطباق وسكاكين… ولقاءات مموّلة من عرق بترول لا علاقة له لا بالريف ولا بالحراك.
أصبحوا فجأة “دبلوماسيين” للقضية الريفية، التي لم تعد تعرف وجهها الحقيقي بين علي أعراس ومجموعة التيكتوك التي تتقن الرطانة الجزائرية أكثر من الأمازيغية.
نعم، علي أعراس، الوجه الذي يُعاد تدويره كل موسم، وكأنه منتج تمويلي لا ينتهي. الرجل الذي قضى سنوات في السجن المغربي بتهم ثقيلة تتعلق بالإرهاب وتكوين خلايا للتجنيد، يخرج اليوم على منصات ممولة ليرتدي ثوب الملاك.
لكن لننسى القضاء المغربي قليلاً، ونسأل سؤالاً بسيطاً: هل الريف بحاجة إلى مناضل له تاريخ غامض مع الجماعات الإسلامية، أم إلى من يحمل مشروعًا واضحًا للنهوض بالمنطقة؟
ما نراه اليوم هو محاولة لغسل الماضي عبر “حمّام المخابرات الجزائرية”. ويبدو أن هذا الحمّام مكلف جدًا، لأن روائح النفاق تزداد رغم العطور المستوردة.
أما الآخرون، الذين يُطلقون على أنفسهم “نشطاء منفيين”، فهم ليسوا إلا طبعة رديئة من رواية “مزرعة الحيوان” لجورج أورويل. خنازير كانت تهتف للثورة الشعبية أصبحت ترتدي ربطات عنق، وتخطب في القاعات المكيفة بينما الشعب الحقيقي – في الريف وفي المغرب – لا زال يبحث عن مستشفى وقنينة أكسجين.
ما يحدث اليوم ليس نضالاً، بل سياحة سياسية ممولة، لا تختلف كثيرًا عن جولات مطربي الأعراس، فقط بدل الطبل هناك “التيكتوك”، وبدل الأجور من العرسان، هناك أجور من جنرالات يسعون لتصدير فشلهم نحو المغرب عبر أي حنجرة مستأجرة.
الجزائر تدفع، وهم يرقصون. لكن من يدفع الثمن الحقيقي؟ قضية الريف أولاً، وسمعة الشعب الجزائري ثانيًا، وعقولنا نحن إن نحن صدقنا بعد اليوم أن هؤلاء يحملون غير صورهم على الإنستغرام.
والرسالة، لكل من لا يزال يؤمن بأن الريف يستحق ما هو أنقى من “خنازير أورويل”:
الوعي ليس في “هاشتاغ” ولا في ندوة على الشروق.
الوعي هو أن نفضح من باع دموع الريفيين مقابل إقامة مجانية في فندق جزائري، وأن نُنقذ القضية من تُجارها قبل أن نُفكر في مواجهة أعدائها.