أزمة ثقة وواقع معيشي هش: الأسر المغربية بين شبح الفقر وتآكل الأمل
بوشعيب البازي – الرباط
رغم تسجيل تحسن نسبي في المؤشر المجمع لثقة الأسر خلال الفصل الثاني من سنة 2025، إلا أن هذا “التحسن” يبدو أقرب إلى ومضة في نفق طويل من القلق المعيشي والاجتماعي. فقد كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرة حديثة، عن مؤشرات مقلقة ترسم صورة قاتمة لواقع الأسر المغربية، التي تبدو منهكة أمام ارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، واتساع فجوة الدخل، في ظل آفاق اقتصادية غير مبشرة.
المؤشر المتعلق بقدرة الأسر على الادخار استقر عند ناقص 82.6 نقطة، مسجلاً أحد أدنى مستوياته منذ إطلاق هذا النوع من التقييمات الدورية. بل إن أزيد من 91 في المئة من الأسر صرحت بعجزها عن ادخار أي جزء من دخلها، وهو ما يعبّر عن هشاشة بنيوية في بنية المداخيل، لا ترتبط فقط بالظرفية، بل أيضاً بنموذج اقتصادي بات عاجزاً عن إنتاج الطبقة الوسطى، ناهيك عن الحفاظ عليها.
معيشة بالكاد… ومدخرات على حافة النضوب
نصف الأسر المغربية تقريباً تعيش على حافة العجز، حيث تشير الأرقام إلى أن 57.6 في المئة منها تغطي بالكاد مصاريفها الجارية، بينما تلجأ 40.6 في المئة إلى الاستدانة أو استنزاف مدخرات قديمة. في المقابل، لا يتجاوز عدد الأسر التي تتمكن من الادخار الفعلي نسبة 1.8 في المئة، ما يطرح سؤالاً مركزياً: أين هي ثمار السياسات العمومية؟ وأين انعكاس النمو الاقتصادي على الحياة اليومية للمواطن؟
وعند تحليل تطلعات الأسر للسنة المقبلة، يتضح مدى انتشار التشاؤم: 44.9 في المئة من الأسر تتوقع تدهوراً إضافياً في ظروف عيشها، بينما لا تتجاوز نسبة المتفائلين 9.7 في المئة. إنها معطيات تترجم فقدان الثقة، لا فقط في المستقبل، بل أيضاً في قدرة السياسات الحالية على تحسين الواقع.
#الادخار_في_المغرب: رفاهية من الماضي؟
تبدو فكرة الادخار، كما تعكسها بيانات المندوبية، وكأنها رفاهية من زمن آخر. في مغرب 2025، لم تعد الأسر تفكر في المستقبل، بل بالكاد تنجو من الحاضر. الإنفاق موجّه بالكامل نحو الضروريات، أما الاستهلاك غير الأساسي فدخل في سبات عميق. إذ ترى 72.7 في المئة من الأسر أن الظرفية غير مناسبة لاقتناء السلع المستديمة، من قبيل الأثاث أو السيارات أو الأجهزة المنزلية.
هذا التراجع في استهلاك السلع المعمّرة، رغم ما يمثله من ضغط على الاقتصاد الداخلي، هو قبل كل شيء مؤشر إنذار اجتماعي: الناس لا يستهلكون لأنهم لا يستطيعون، وليس لأنهم لا يريدون.
سوق شغل خانق… وطموحات على الرف
من جهة أخرى، لا تبدي الأسر المغربية تفاؤلاً في ما يتعلق بفرص الشغل، إذ تتوقع 71.8 في المئة من الأسر ارتفاعاً في عدد العاطلين، خصوصاً في ظل بطء وتيرة خلق مناصب الشغل وضعف الإدماج، خاصة في صفوف الشباب. المؤشر المتعلق بتوقعات البطالة استقر في المنطقة السلبية عند ناقص 57.5 نقطة، للربع الرابع على التوالي.
قراءة في العمق: رأي الكاتب الصحفي بوشعيب البازي
حين تنظر إلى هذه الأرقام، لا تجد نفسك فقط أمام معطيات باردة لبحوث ظرفية، بل أمام مرآة مشروخة تعكس قلقاً جماعياً يعصف بالبيوت المغربية. إننا لا نتحدث عن أزمة مؤقتة، بل عن أزمة بنيوية في علاقة المواطن بالدولة، بالسياسات، وبالأمل نفسه. المواطن المغربي، وهو يصرّح في هذه التقارير بعجزه عن الادخار، لا يقول فقط إن المال لا يكفي، بل يصرخ ضمنياً: “لا أرى غداً مختلفاً عن اليوم”.
نحن في لحظة دقيقة تتطلب شجاعة سياسية أكثر من مجرد أرقام. فالواقع لا يمكن أن يُسكن بالإحصاء وحده، بل يتطلب تحولاً حقيقياً في الفهم: الأسر لا تطالب بالمستحيل، بل فقط بمعيشة تحفظ الكرامة، وأفق لا يستنزف القوت بالشك والتقشف.
إن مؤشر الثقة لا يُبنى بخطابات موسمية، بل بإجراءات ملموسة: دعم مباشر للفئات الهشة، إصلاح فعلي لسوق الشغل، كبح جماح الأسعار، وإعادة بناء جسر الثقة بين المواطن والدولة. فالمؤشرات لا تكذب، لكنها أيضاً لا تنتظر.
#ثقة_الأسر #الادخار_في_المغرب #الأزمة_الاجتماعية #تدهور_القدرة_الشرائية
#بوشعيب_البازي #مغرب_2025