كان يُقال في الزمن الجميل إن مغاربة العالم يختارون المغرب وجهة صيفية لا تُضاهى: بحر وكسكس وأحضان العائلة، ثم يعودون محملين برائحة البلاد ودموع الأمهات. أما اليوم، فقد تغيّر المشهد. تحوّلت العودة إلى المغرب خلال الصيف إلى مشروع “مغامرة مالية” لا يقدر عليها سوى المليارديرات، أو الذين فازوا باليانصيب البلجيكي ثلاث مرات على التوالي.
تذكرة الطائرة من بروكسيل إلى الدار البيضاء؟ 700 يورو للفرد، “وغير شامل الضحك على الركاب”. أما إن كنت ربّ عائلة تتكون من خمسة أفراد، فاعذرني: أنت لست مهاجراً، أنت ممول حملة انتخابية لشركات الطيران.
مغرب يُحب جيوبك أكثر من حبك له
الوضع لا يتوقف عند الطائرة. فحالما تصل، تستقبلك المطاعم المغربية بترحيب خاص، مرحباً بك في قائمة أسعار مستوحاة من باريس لا من فاس! طبق بسيط من الطاجين في مطعم متوسط قد يُكلفك 25 يورو، دون حساب ضريبة الكراسي والملاعق والابتسامة الزائفة للنادل.
أما الفنادق؟ فحدث ولا حرج. غرفة بسريرين في مراكش أو أكادير تُعادل أسبوعاً في فندق أربع نجوم بإشبيلية أو إزمير. لذلك، لا غرابة أن تتحوّل بوصلة مغاربة العالم نحو إسبانيا والبرتغال وتركيا، حيث التذاكر تبدأ من 65 يورو، والشقق النظيفة تُؤجر بثمن منطقي لا يتطلب بيع ذهب الأم أو رهن عقار الجد.
وحتى حين “استفاقت” بعض شركات الطيران في أواخر شهر يوليوز على وقع المقاعد الفارغة، وقررت فجأة خفض أسعار التذاكر إلى حدود 240 يورو، كان الوقت قد فات، فقد اختار أغلب المهاجرين وجهات أخرى أو اكتفوا بـ”العطلة في الحديقة العمومية”. والمفارقة الساخرة؟ أن التخفيض لم يأتِ تحفيزًا للجالية، بل فقط بعد أن عجزت الشركات عن بيع مقاعدها، وكأنها تقول للمهاجرين: كنا ننتظر أن تدفعوا دون تذمّر، فلما لم تفعلوا، تفضلوا… هذا ما تبقى لدينا!
غياب المراقبة: فوضى الأسعار في انتظار ضحاياها
في كل موسم صيفي، تتكرر نفس القصة: غلاء الأسعار، استغلال السياح، وغياب تام للرقابة. لا أحد يعرف من يضع الأسعار، ولا كيف يُسمح بفندق من ثلاث نجوم أن يتصرف وكأنه قصر في موناكو. الأدهى من ذلك أن لا جهة رسمية تتدخل، وكأن السياحة الداخلية والمغاربة المقيمين بالخارج لا يستحقون حماية استهلاكية.
الغريب في كل هذا، أن المسؤولين يُحبّون أن يتغنّوا بـ”الوطن يجمعنا”، لكنهم ينسون أن الجيب هو أيضاً جزء من هذا الوطن… وعندما يُستنزف، لا يبقى للمهاجر سوى أن يبحث عن وطن مؤقت في أنطاليا أو أليكانتي.
رسالة مفتوحة إلى من يهمّه الأمر
لنكن واقعيين ، لا أحد يطلب من المغرب أن يُنافس اليونان أو تايلاند، لكن على الأقل، ليكن عاقلاً في تعامله مع أهله. مغاربة المهجر لا يعودون إلى البلاد كأمراء النفط، بل كأشخاص يحلمون بعطلة تجمع بين الدفء العائلي والراحة المادية. أما أن يُعاملوا كمناجم عملة صعبة، فذلك كفيل بأن يجعلهم يكتفون بمكالمة “واتساب” بدلاً من زيارة الوطن.
على الجهات المسؤولة أن تُعيد النظر في التسعيرات، وتُفعّل مراقبة حقيقية للمطاعم والفنادق وشركات النقل، قبل أن يتحول صيف المغرب إلى مجرد ذكرى قديمة في قلوب من غادروا ولم يعودوا.