“جدار جنوب إفريقيا يتشقق… وغاز الجزائر لا يدفئ العزلة

عبد الله بوصوف

عاش النظام العسكري الجزائري طوال شهر يوليوز الجاري حالات تعرق غير عادية ليس لأن بلدان المتوسط سجلت معدلات حرارة غير عادية…بل لأن النظام ظل يتجرع الهزائم التي رفعت من درجة حرارته…و جعلته يتصبب عرقا…

ففي الوقت الذي يعيش ذات النظام تحت وطأة العزلة و أزمات مع جيرانه الحدوديين وصلت للطريق المسدود…
فإن المغرب من جهته و في نفس الفترة شهد أحداثا بدلالات سياسية قوية…كان من بينها الزيارة التاريخية ل” جاكوب زوما ” الرئيس السابق لجنوب افريقيا
للمغرب ، و إعلانه تأييد مقترح الحكم الذاتي..و هذا يعني بداية تآكل جدار جنوب افريقيا و نهاية الإجماع على دعم الانفصاليين داخل مؤسسة التشريع، لأن حزب زوما ” حزب رمح الأمة ” يشكل أكبر معارضة في جنوب افريقيا و يتوفر على 58 نائبا داخل البرلمان..

في ذات الفترة أيضا ، و في إطار الدينامية الايجابية لملف مغربية الصحراء..تمت إضافة دولة مقدونيا الشمالية الى لائحة المعترفين الأوروبيين بالحكم الذاتي للأقاليـــم الصحراوية…فيما أعادت دولة غامبيا تأييدها لمغربية الصحراء…
لكن اعتراف دولة من حجم البرتغال يوم 23يوليوز بمقترح الحكم الذاتي هو ضربة موجعة للنظام العسكري في طقس شديد الحرارة…إذ لا داعي للتذكير بتاريخ الإمبراطورية البرتغالية و نفوذها سواء في افريقيا أو أمريكا اللاتينية أو آسيا عبر مستعمراتها السابقة…وكذا بتاريخها على مستوى المتوسط و الأطلسي…أما الآن فهي شريك اقتصادي و تجاري مهم للمغرب و شريك في تنظيم مونديال 2030 الى جانب المملكة الإسبانية…أضف أن رئيس الحكومة السابق انطونيو كوستا هو رئيس المجلس الأوروبي الحالي…

من جهة اخرى ، أعتقد ان إعلان مجموعة ستيلانتيس الصناعية عن ضخ استثمارات ضخمة 1.2 مليار أورو بالمغرب من أجل مضاعفة إنتاج وحدات السيارات ليصل الى 535 الف وحدة سنويا…
هو ضربة موجعة لدولة العالم الموازي التي لازالت تتخبط في مشاريع بمواصفات ضعيفة مع نفس الشريك الاقتصادي..

لن تقف مآسي النظام العسكري الجزائري عند هذا الحد ، ففي شهر يوليوز الجاري أعلنت المفوضية الأوروبية عن ” إجراء تحكيمي ” ضد الجزائر لخرقها اتفاق شراكة الاتحاد الأوروبي مع الجزائر الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2005…

كل هذا جعل ذات النظام العسكري في زاوية ضيقة بسبب حالة العزلة الإقليمية و الدولية…و يختنق لانسداد الآفاق و الحلول. ..فما كان أمامه سوى البحث عن الاوكسيجن من خلال ثقب الباب…و تلقيد الممثل العالمي طوم هانكس في فيلمه “cast away ” برسم وجه انسان على كرة من أجل الحديث معه و الخروج من حالة العزلة…
هذه الحالة النفسية الحرجة للنظام الجزائري…جعلته يغتنم ” منتدى الأعمال الإيطالي الجزائري ” المنظم في 24 يوليوز الجاري بروما…ليأخذ جرعة كبيرة من الأوكسجين تضمن له بعض البقاء على وجه الساحة الإعلامية…إذ كان مستعدا لدفع اي مقابل من أجل جرعة الحياة تلك…

لذلك رأينا النظام الجزائري يرحل الى روما بأغلب أعضاء حكومته و رجال اعماله…لكن الأهم هو حضور شركة سونطراك…

ففي الوقت الذي اجتمع فيه رجال اعمال المنتدى بفندق ” حديقة الامراء ” بروما…. حضر الرئيس عبد المجيد تبون مع حكومته بفيلا “دوريا بامبيلي ” حيث القتى برئيسة الحكومة جورجيا ميلوني و انطونيو تاجاني وزير الخارجية…
تم التوقيع على أربعين اتفاقية في مجالات متعددة تشمل الطاقة و التكوين و الفلاحة و الثقافة و الدفاع…لكن الأهم هو توقيع شركتي سونطراك الجزائرية و شركة إيني الايطالية…المتخصصة في مجالات الصناعات البترولية و التنقيب و التطوير….

لم يكن مهما مضمون الاتفاقيات ، بل كان الأهم لدى حكام الجزائر هو الخروج من عنق الزجاجة و الحديث مع الإعلام الإيطالي و العالمي و تذكير إيطاليا بانها عوضت الغاز الروسي…و انها المورد الأول للطاقة و أنها تستجيب ل 40% من احتياجات السوق الإيطالي من الغاز…وأن انبوب الغاز الرابط بين الجزائر و إيطاليا يحمل اسم الإيطالي ” ماتيو متاي ” احد اكبر الداعمين للثورة الجزائرية…

كل الأبواب مقفلة في وجه نظام عسكري يمول منظمات ارهابية…و يهدد جيرانه و شركائه بورقة الغاز و البترول..التي لم تعد فعالة مع الدول القوية و حتى مع دول افريقيا و الساحل…
لذلك هرول الرئيس تبون الى روما لطلب النجدة من روما و الفاتيكان للعب دور الوسطاء مع دول الاتحاد الأوروبي و إعادة تفعيل عقد الشراكة رغم أن بعض ابواق الجزائر حملت شعار مراجعة لا قطيعة… و تقول بأن الجزائر تخسر 30 مليار اورو سنويا لإلغاء الرسوم و تسهيلات الاستثمار …

لم يبق أمام النظام الجزائري الا روما و الحج في الفاتيكان…من أجل الخروج من غرفة الانعاش…في ظل وضعية عزلة دولية و اقليمية و تورطه في تنشيط نزاعات في افريقيا و الشرق الاوسط… اعتقال جنود جزائريين في سوريا نموذجا…

أعتقد أن سعي الجزائر للبحث عن المشترك التاريخي و الحضاري مع إيطاليا هو محاولة للعودة من النافذة…أولا لأن الجزائر لا تملك مقومات حضارية و تاريخية خاصة و أن كل تاريخها يعود للدول التي استعمرتها…ثانيا أن الجزائر تحاول دائما البحث عن مشترك مع إيطاليا فمرة مع ماتيو متاي ، و مرة مع “علي بيتشيني ” القرصان / العبد الإيطالي الذي أصبح باشا بعد زواجه من الأميرة القبايلية “لالاهوم بلقاضي ” ابنة سلطان مملكة كوكو..فكان شرطها هو بناء مسجد ليصح إيمانه…
النظام العسكري الجزائري يسعى بكل الطرق للبقاء على قيد الحياة …لذلك رحل الى روما حاملا معه شيكات سونطراك من أجل البحث عن إكسير الحياة…
عبد الله بوصو

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com