حقيبة دبلوماسية… ومسرحية سيادية: الجزائر ترد على فرنسا بسحب بطاقات الدخول!
بقلم: بوشعيب البازي
في لحظة سيادية نادرة، أعلنت الجزائر – بكل وقار جمهوري وتشنج وطني مُعتّق – سحب بطاقات امتياز الدخول إلى موانئها ومطاراتها التي كانت بحوزة موظفي سفارة فرنسا. القرار جاء كردّ صارم على ما وصفته الخارجية الجزائرية بـ”الانتهاك الصارخ” من طرف فرنسا لاتفاقية فيينا. والمناسبة؟ حقيبة دبلوماسية منعت من التسلم في مطار باريس.
نعم، أيها السادة، الأزمة هذه المرة ليست بسبب وثائق سرية، ولا تجسس، ولا ملفات الذاكرة، بل بسبب حقيبة… جلدية غالبًا، ثقيلة بالتوترات، خفيفة بالمحتوى. وربما كان في داخلها، بكل بساطة، دعوات لحضور “موسم الجزائر الجديد للسيادة الرمزية”.
كواليس الحقيبة: دبلوماسية بدرجة فندقية محدودة
مصادر رسمية جدًا في الجزائر ترى أن حرمان دبلوماسييها من دخول المناطق المخصصة لاستلام الحقائب في مطارات باريس يُعد “انعدامًا تامًا للشفافية”، و”خرقًا فادحًا” للمادة 27 من اتفاقية فيينا، و”إهانة” لا تحتمل من فرنسا التي تمارس هواية تقطيع العلاقات على مراحل، كلما صعد اليمين درجة في استطلاعات الرأي.
أما في فرنسا، فقد كان المشهد أقرب إلى حلقة من المسلسل الإداري الطويل: وزارة الداخلية اتخذت القرار، وزارة الخارجية لم تكن على علم، والسفير يتنفس الصعداء لأنه ليس مضطرًا للحديث. فرنسا الرسمية، كما هو الحال دائمًا، مقسومة بين وزراء يتشاجرون على الهواء، ودبلوماسيين يسعون لتبرير ما لا يُبرّر… وحقيبة دبلوماسية تنتظر على الرصيف.
السيادة على طريقة “كعب الغزال”
الجزائر، في ردّها التاريخي، قررت سحب بطاقات الدخول إلى مطاراتها وموانئها من موظفي سفارة فرنسا، في خطوة استثنائية تهدف إلى “تأديب باريس”، أو على الأقل تذكيرها بأن الجزائر لم تعد تقبل الإهانة… ولو كانت الإهانة على شكل حقيبة لم تصل في الوقت المناسب.
منطق المعاملة بالمثل يقتضي – في العقل الدبلوماسي الجزائري – أن يُعامل الفرنسيون بالمثل، حتى وإن كانوا لا يحملون حقائب أصلاً. وهو منطق بسيط: أنتم لم تتركونا ندخل لاستلام حقيبتنا؟ حسنًا، لن ندعكم تدخلون مطاراتنا لتستلموا حتى أرغفة الخبز!
أزمة حقيبة أم أزمة هوية؟
الحقيقة أن القصة تتجاوز حدود الحقيبة، وتمتد إلى عمق أزمة دبلوماسية قديمة برائحة الندم، ومستجدة بفضل اعتراف باريس بمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، وهو الاعتراف الذي اعتبرته الجزائر جريمة فكرية تستحق الحصار العاطفي. ومنذ ذلك الحين، دخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية مرحلة “الأواني الفخارية”، حيث أي ارتطام بسيط يتحول إلى أزمة وجودية.
وفي هذا السياق، تظهر قرارات الجزائر كاستعراض سيادة أكثر منه دبلوماسية، خصوصًا حين تأتي في توقيت يعرف فيه العالم أن الجزائر لا تملك ترف التصعيد، بحكم وجود جالية جزائرية ضخمة في فرنسا تعتمد على “الوثائق القنصلية” أكثر من اعتمادها على الكهرباء.
اليمين الفرنسي… وسينما بلا شباك تذاكر
في خضم هذه الزوبعة، يبرز صراع فرنسي داخلي: وزير الداخلية بيرنو روتايو يلعب دور البطل المهووس بـ”قبضة الحديد”، ويتهم الجزائر بـ”حساسية زائدة”، بينما يرد عليه وزير الخارجية جان نويل بارو بنبرة هادئة قائلاً: “لا توجد دبلوماسية قائمة على المشاعر الحسنة… ولا على الاستياء”.
وقد صدق، فالذي يُبنى على مشاعر، يسقط عند أول حقيبة!
كلمة أخيرة… من حقيبة بلا تصريح
قد تكون الحقيبة قد وُضعت في غير مكانها، أو تأخرت في الوصول، أو لم تكن أصلاً تحمل شيئًا ذا قيمة… لكن المؤكد أن الدبلوماسية الجزائرية قررت أن تبني فوق هذا الموقف العابر جبلاً من الاحتجاجات، ورسائل حازمة، ومؤتمرات صحفية تعبر عن “القلق العميق”، وكل ذلك باسم السيادة التي تظهر فجأة كلما تعثرت حقيبة.
أما نحن، فلا يسعنا إلا أن نتساءل: هل تتحول الحقيبة الدبلوماسية إلى قضية سيادة وطنية، أم أن الأمر لا يعدو كونه سيناريو جديدًا في مسرح العتب المتبادل، حيث كل طرف يفتعل الصراخ ليُرضي جمهوره المحلي؟
الجواب في الحلقة القادمة… من حقيبة أخرى.