في أحدث حلقات “موسم الهذيان الشتاتوي”، خرج علينا هشام جيراندو، اليوتيوبر الهارب من العدالة وصاحب السجل الحافل في فنون التشهير والابتزاز، ليعلن وفاة ضابط شرطة معتقل في سجن عين السبع. المعلومة، كالعادة، مفبركة، لا مصدر لها سوى خياله المتضخم بعد جلسة مونتاج سيئة وجرعة من الحقد الدفين. المشكلة؟ أن “الميّت” حي يُرزق، ويتنفس بانتظام في سجن العرجات 2، بل ويقضي عقوبة محددة بعناية من طرف القضاء المغربي: 18 شهرًا فقط، لا خمس سنوات كما بشّرنا بها فقيه اليوتيوب.
المندوبية العامة لإدارة السجون، وقد ملتّ من تصحيح هلوسات هذا النوع من المنفيين الإراديين، خرجت ببيان توضيحي، ليس حبًّا في الدخول في معارك وهمية، بل لأن بعض الناس في الخارج يظنون أن إطلاق الكذب من أوروبا يجعلهم خبراء في شؤون الزنازن المغربية. والحقيقة أن صاحبنا جيراندو، كما يعرفه الجميع، لا يميز بين سجن وبين منتجع سياحي، ما دام لا يرى المغرب إلا من شق نافذة افتراضية، ملغّمة بالبغضاء والنوايا السيئة.
جراندو، الذي تحول من مهاجر عادي إلى مُقاطع محتقن، يواصل لعبته القديمة: التشهير بالمؤسسات، اختلاق الأكاذيب حول المسؤولين، وابتزاز كل من لا يعجبه بنغمة: “إما أن تردّ عليّ، أو أشيع عنك وفاتك!”. أسلوبه ليس جديدًا، بل هو إعادة تدوير لمدرسة قديمة في القذف الإلكتروني، حيث يتحول الحاسوب إلى سلاح أبيض، واللايكات إلى رخصة افتراضية للإفلات من المحاسبة. لكن القضاء المغربي، لحسن الحظ، أصبح يتقن قراءة هذا النوع من “البلاغات المزيفة” بلغة القانون، لا بلاغة الهروب.
والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سنترك أمثال جيراندو يوزّعون شهادات الوفاة على المقاس؟ متى سيتوقف هذا “الناطق الرسمي باسم القبر الكاذب” عن مهنة النبش في الكرامات؟ أليس من المضحك المبكي أن من يفر من العدالة، يحاضر في “حقوق الإنسان”؟ ومن يمتهن الابتزاز الرقمي، يقدم نفسه كمدافع عن الشفافية؟
إننا نقترح، بكل سخرية جدية، على المندوبية العامة أن تُنشئ خلية تأكيد الحياة، مهمتها التواصل مباشرة مع السجناء الأحياء لطمأنة الرأي العام عند كل إشاعة، وأن تُرسل نسخة من كل تصريح كاذب إلى الطبيب النفسي المناوب على اليوتيوب، علّه يجد تفسيرًا لهذا الولع بالجنائز الوهمية.
… وفي الختام، نهمس للسيد جيراندو: قبل أن تقتل أحدهم افتراضيًا، تأكد من أنه لا يزال يتنفس. فالواقع، يا عزيزي، لا يُركب في المونتاج.
أما جمهور “اللايكات المصفقة”، أولئك الذين يبتلعون كل إشاعة كما يبتلع الطفل حلوى مغشوشة، فهم جزء لا يتجزأ من هذه الكوميديا السوداء. يتابعون البث المباشر بعيون دامعة، يعلّقون بـ”الله يرحمو” قبل أن يتأكدوا إن كان المرحوم قد مات فعلًا، ثم ينتقلون بسلاسة إلى فيديو جديد عن مؤامرة كونية خططت لها “جهات عليا” لمنع جيراندو من قول الحقيقة… من شرفة مطبخه في بلجيكا.
هؤلاء المتابعون، المنومون مغناطيسيًا بخطاب الضحية الدائم، يشبهون جمهور مسرحية رديئة يعرف أنها تمثيل، لكنه يواصل التصفيق لأن الممثل يصرخ كثيرًا. هم لا يبحثون عن الحقيقة، بل عن قصة تشبه إحباطهم، عن بطل وهمي يقول لهم ما يريدون سماعه: أن المغرب خراب، وأنه وحده – من خلف شاشة الحاسوب – يحمل مفاتيح الخلاص.
وهكذا تستمر الملهاة: ضابط حي، يُعلن عن وفاته، من طرف هارب، فيصدقها جمهور غارق في البلادة الرقمية. ويبقى الوطن، رغم كل شيء، واقفًا… يتنفس.