تجديد الدعم الأميركي لمغربية الصحراء: نحو ترسيخ الشراكة الإستراتيجية بين الرباط وواشنطن
بوشعيب البازي
بمناسبة الذكرى الـ25 لتربع الملك محمد السادس على العرش، بعث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب برقية تهنئة إلى العاهل المغربي، جدد فيها اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بـالسيادة الكاملة للمغرب على الصحراء، وأكد أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب تمثل “الأساس الوحيد الجاد وذي المصداقية والواقعي” من أجل تسوية دائمة وعادلة لهذا النزاع الإقليمي طويل الأمد.
“الولايات المتحدة تعترف بسيادة المغرب على الصحراء، وتدعم مقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق”، ورد في البرقية الرئاسية.
ولا يمكن النظر إلى هذا التأكيد المتجدد بوصفه مجاملة بروتوكولية عابرة، بل باعتباره رسالة سياسية واضحة تعكس ثبات الموقف الأميركي من هذا النزاع الإقليمي، وتُعيد التذكير بالتحول التاريخي الذي عرفته السياسة الخارجية الأميركية سنة 2020، عندما وقّع ترامب مرسومًا رئاسيًا يعترف ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية.
توقيت مدروس وسياق إقليمي متحرك
يرى عدد من المحللين أن تزامن البرقية مع احتفالات عيد العرش لم يكن عفوياً، بل يحمل أبعادًا دبلوماسية ورسائل إقليمية مقصودة. فالرسالة الأميركية تندرج ضمن مسار متواصل لدعم الموقف المغربي، خصوصاً في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة، والتحولات الدولية في التعاطي مع النزاع المفتعل حول الصحراء.
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد شيات، أن تجديد ترامب موقفه يعكس إرادة سياسية لتفعيل الاعتراف الأميركي، لاسيما من خلال مشروع فتح قنصلية بمدينة الداخلة، ويدلّ على أن واشنطن ماضية في تكريس هذا التوجه كخيار استراتيجي طويل الأمد.
تقاطع المصالح وتكامل الرؤى
تتضمن البرقية إشارات واضحة إلى التحالف الاستراتيجي العميق بين الرباط وواشنطن، حيث أبرز ترامب أن الولايات المتحدة تولي أهمية كبيرة لهذه الشراكة، مؤكداً أن البلدين يعملان سوياً على ملفات كبرى مثل مكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن الإقليمي، وتوسيع نطاق التعاون التجاري، وتعزيز اتفاقات أبراهام.
“نتقاسم مع المغرب أولويات السلام والأمن في المنطقة، وسنواصل العمل المشترك من أجل استقرار دائم يخدم مصالح شعبينا”، بحسب ما جاء في نص البرقية.
وقد رافق هذه المواقف سلسلة من التصريحات لمسؤولين أميركيين بارزين، من بينهم وزير الخارجية الأسبق ماركو روبيو، وعضو الكونغرس ماريو دياز بالارت، أكّدوا فيها أن المغرب بات الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في شمال أفريقيا، مشيدين بدوره في ترسيخ الاستقرار وتحقيق التنمية.
الصحراء المغربية: من نزاع مفتعل إلى رافعة جيو-اقتصادية
إن الرسالة الأميركية، كما يشير مراقبون، ليست مجرد إعادة تدوير لمواقف سابقة، بل تعكس تحولاً نوعيًا في النظرة إلى الصحراء المغربية، ليس فقط باعتبارها ملفًا سياسياً، بل كمجال واعد للاستثمار والتعاون الجيو-اقتصادي والدبلوماسي.
ويرى خالد شيات أن الأقاليم الجنوبية أصبحت منصة استراتيجية للتنمية والتكامل الإقليمي، وأن الدعم الأميركي يعزز موقع المغرب كـ”شريك موثوق ومركزي في معادلة الاستقرار الإقليمي والدولي”، لا سيما مع التقارب المتزايد بين الرؤية المغربية والولايات المتحدة في ملفات الساحل وشمال أفريقيا.
الرسالة الأميركية: إشارة إلى الحلفاء وتحذير للخصوم
من جهة أخرى، تحمل برقية ترامب دلالات خارجية موجهة إلى المجتمع الدولي، فواشنطن تُعيد التأكيد، دون لبس، على أنها لا ترى في أي مقترح آخر غير الحكم الذاتي المغربي حلاً قابلاً للتنفيذ. وهي بذلك توجّه رسالة ضمنية إلى القوى المترددة، مفادها أن من يريد الانخراط في دعم الاستقرار الإقليمي، عليه أن يتفاعل مع الواقع الجديد القائم على أساس السيادة المغربية والوحدة الترابية.
وفي هذا الصدد، قال المستشار الرئاسي للرئيس ترامب، مسعد بولس، في مقابلة تلفزيونية، إن اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء كان يهدف إلى إنهاء نزاع عمره عقود، مضيفاً أن إدارة ترامب كانت تسعى لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي ضمن مقاربة تعتمد على الوضوح السياسي والحسم القانوني.
شراكة متجذرة ورؤية مشتركة للمستقبل
تشكل هذه البرقية الرئاسية دليلاً إضافيًا على أن العلاقة بين المغرب والولايات المتحدة تجاوزت منطق التحالف الظرفي، لتدخل مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية الراسخة، القائمة على الاعتراف المتبادل بالمصالح الجيوسياسية والأمنية والتنموية.
وفي ظل هذا التوجه، لم تعد قضية الصحراء مجرد ملف دبلوماسي، بل أصبحت عنوانًا رئيسيًا لتحولات عميقة في التوازنات الإقليمية، ولصعود المغرب كفاعل محوري في محيطه القاري والدولي، بشراكة مع أحد أبرز الفاعلين في السياسة العالمية.