رسالة ترامب إلى الملك محمد السادس… عندما تتكلم الدولة الأميركية بلغة الالتزام

بوشعيب البازي

في زمن يُعاد فيه تشكيل خرائط التحالفات الجيوسياسية، تأتي بعض الرسائل لتعيد تثبيت الثوابت، وتقطع الطريق على التأويلات. هكذا يمكن قراءة رسالة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، والتي جاءت أكثر من مجرّد تهنئة بروتوكولية، بل أقرب إلى إعادة تأكيد على ما لا ينبغي أن يُناقش: مغربية الصحراء، باعتراف رسمي من أكبر قوة في العالم.

لسنوات، ظل موقف واشنطن من قضية الصحراء يخضع لتأويلات الحذر الدبلوماسي، يوازن بين المقاربات التقليدية وضرورات التوافقات الدولية. لكن في العاشر من ديسمبر 2020، كُسر هذا التوازن. وقّع ترامب قرارًا غير مسبوق يعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ويدعم مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي، عملي، ودائم لهذا النزاع الإقليمي. والرسالة الأخيرة التي وجهها إلى الملك محمد السادس جاءت لتؤكد أن ذلك الاعتراف لم يكن لحظة عابرة، بل قرار دولة.

اعتراف يتجاوز السياق السياسي إلى العمق التاريخي

يُحسن ترامب، وإن بكثير من الخطابية الأميركية المعهودة، اللعب على وتر التاريخ. حين ذكّر باعتراف المغرب المبكر سنة 1777 باستقلال الولايات المتحدة، لم يكن ذلك استحضارًا لمجرد حدث بروتوكولي في الماضي، بل وضعه في سياق التوازن الرمزي: المغرب اعترف بأميركا يوم كانت تبحث عن هويتها، وها هي أميركا تعترف اليوم بسيادة المغرب على صحرائه، كنوع من رد الجميل السياسي، إن جاز التعبير.

هذه المقاربة لا تخلو من عمق. فهي تذكّر من يحاولون التشكيك في اعتراف واشنطن، أن هذا القرار ليس ابن ظرف سياسي عابر، بل ثمرة مسار طويل من التحالف، والتنسيق الأمني، والعلاقات الاستراتيجية، خاصة في ملفات مثل مكافحة الإرهاب، والتوازن الإقليمي، واستقرار شمال وغرب إفريقيا.

رسالة إلى من يهمّه الأمر… وإلى من يحاول تأويل الواضحات

ربما تكون الرسالة موجهة رسميًا إلى الملك محمد السادس، لكنها عمليًا كانت تحمل جوابًا صريحًا لمن يراهن على تراجع أميركي عن موقف 2020. وعلى رأس هؤلاء، بعض دوائر القرار في الجزائر، التي تتعاطى مع ملف الصحراء وكأنه فرصة إقليمية للضغط، لا نزاع ينبغي حله بالحكمة والرؤية الواقعية.

كان لافتًا أن ترامب، حتى من خارج البيت الأبيض، لم يكتفِ بتكرار موقفه، بل استعاد في رسالته روح خطاب اعترافه نفسه، حيث وصف مبادرة الحكم الذاتي المغربية بأنها “الأساس الوحيد” لحل عادل ودائم. في هذا السياق، يبدو أن محاولات بعض المستشارين الأميركيين الجدد التخفيف من وقْع الاعتراف، عبر تصريحات مترددة أو محاولات ترطيب للموقف الأميركي، لم تلقَ صدى رسميًا فعليًا.

وهنا، نتذكر زيارة مسعد بولس، مستشار ترامب السابق، الذي حاول أن يقف على مسافة واحدة من كل الأطراف، فوقع في فخ التناقضات. المغرب لم يفتح له أبوابه، لا غضبًا، ولكن احترامًا لمبدأ أوضحه الملك مرارًا: أن الموقف من الصحراء هو مِقياس العلاقة. ومن لم يكن واضحًا في هذا الموقف، فمكانه ليس الرباط.

الرباط… عندما تتحول الدبلوماسية إلى عقيدة استراتيجية

في خطاب العرش الأخير، أعاد الملك محمد السادس التأكيد على انفتاح المغرب على الحوار مع الجزائر، من موقع الثقة لا الضعف، ومن منطلق المبادرة لا التوسّل. ذلك أن المغرب لم يربط يوما ملف الصحراء بالمساومة أو التنازلات، بل قدّم ما يمكن اعتباره العرض الأخير القابل للتفاوض: مبادرة الحكم الذاتي، التي تحظى اليوم بدعم الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي.

الرباط حوّلت هذا الموقف إلى معيار: لا علاقات دبلوماسية كاملة مع من لا يعترف بمغربية الصحراء. لا مشاريع استراتيجية مع من يلعب على الحبال. إنها دبلوماسية قائمة على وضوح الرؤية، لا على المزايدات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com