العدالة والتنمية: حزب التقوى حين يكون في المعارضة، وحزب التطبيع حين يصل إلى الحكومة!
بوشعيب البازي
كانوا يقولون إنهم حزب “نظيف اليد”، فتبين أنهم فقط بارعون في غسلها أمام الكاميرات. وكانوا يرفعون شعارات “الإصلاح في ظل الاستقرار”، فاستقروا في المكاتب الوثيرة ونسوا الإصلاح خلفهم. إنهم حزب العدالة والتنمية، أو كما يحلو للبعض تسميته “حزب التناقضات المتنقلة”.
منذ أن اعتلى عبد الإله بنكيران المنصة، وهو يتفنن في الخطابة كما يتفنن لاعب سيرك محترف في القفز فوق الحقائق. مرة ضد التحكم، ثم يتحالف مع رموزه. مرة ضد الريع، ثم يبرر معاشه الاستثنائي بـ”هبة ملكية”. ومرة ضد التطبيع، ثم يوقّع عليه كأنه فاتورة ماء.
التطبيع: حين يُباع المبدأ بثمن الكرسي
هل تذكرون خطبهم وهم يصرخون في المساجد وداخل قبة البرلمان: “القدس خط أحمر!”؟
نعم، نحن أيضاً كنا هناك. كنا نشاهدهم يذرفون دموع التماسيح على فلسطين، ويقسمون بأغلظ الأيمان أنهم لن يُطبعوا حتى آخر رمق. لكنهم، حين دُعوا إلى قصعة الحكم، بلعوا كل الخطوط الحمراء، وابتلعوا معها المواقف، ووقعوا على اتفاقيات التطبيع وهم يضعون “الكمامة” خوفا من كورونا… أو من الضمير.
وماذا قال بنكيران حينها؟ لا شيء. بل خرج بعدها ليشرح لنا أن الملك هو من قرر، وأنهم، كحزب “مؤسساتي”، انحنوا للعاصفة. أي عاصفة؟ عاصفة السلطة طبعًا، التي تهز المبادئ ولا تلمس الكراسي.
تقنين الكيف: من الحشيش المحرم إلى المداخيل المباركة
لندخل الآن إلى الفصل الثاني من المسرحية: تقنين زراعة القنب الهندي. الحزب الذي طالما حذّر من “آفة المخدرات” ورفع شعار “الأخلاق فوق الاقتصاد”، وجد نفسه يفتح الباب واسعًا أمام تقنين الكيف… ليس من باب الشفقة على المزارعين، بل من نافذة استثمار الفرصة السياسية.
ولما سئلوا عن هذا التحول المفاجئ، اختبأوا خلف مشجب “التقنين لأغراض طبية وصناعية”. يا سلام! طبية؟ وهل كانت العبرة في تغيير اسم النبتة من “الحشيش” إلى “الكيف” حتى يتحول المحظور إلى مشروع؟ أم أن الرغبة في ترك بصمة “تاريخية” جعلتهم يقننون ما ظلوا يحرّمونه عشرين سنة؟
الهبة الملكية… حين يتحول المال العام إلى صدقة على شيخ سياسي
أما المشهد الأبرز، والذي يستحق أن يُدرس في معاهد العبث السياسي، فهو “المعاش الاستثنائي” الذي حصل عليه عبد الإله بنكيران، بعدما أنهى مسيرته على إيقاع “البلوكاج” و”الدموع الوطنية”. معاش وُصف بأنه هبة ملكية، لكن مصادر تمويله لم تكن من خزينة البلاط، بل من جيوب المواطنين الذين استنزفهم بإصلاحات تقاعدهم، وتركهم على قارعة البطالة.
ولأن بنكيران لم يكن ليستسيغ أن يخرج مثل أي سياسي فاشل، قرر أن يكتب نهاية على الطريقة التركية: “سيدي أعطاني”. غير أن الحقيقة البسيطة هي: الدولة أعطت… من مال الدولة. ومع ذلك، استمر في لعب دور الزاهد، حافي القدمين، الذي لا يملك ثمن الشاي، لكنه يربح شهريا ما لا تحققه أسر مغربية خلال عشر سنوات.
حزب العدالة والتنمية… كلما اقترب من الدولة، ابتعد عن الشعب
قد يُغفر لحزب سياسي أن يتناقض مرة، أن يُخطئ تقديرًا، أو أن يُراجع موقفًا. لكن لا يُغفر له أن يتحول إلى نسخة كربونية من كل ما كان يدّعي مقاومته.
لقد دخل “البيجيدي” إلى الحكم على أكتاف الناس، وخرج منه على وقع الضحك الساخط لتلك الناس نفسها.
خرج الحزب من الحكومة… وبقيت خيباته بيننا، من أسعار الوقود إلى كوابيس التعليم والصحة. خرج الحزب، لكن بقيت صوره وهو يُطبع، ويُقنن، ويُتقن التسول السياسي.
أما الشعب المغربي، فقد قال كلمته في 2021: وداعًا، ولا عودة لمن باعنا بالشعارات واشترى الكراسي بالمبادئ.