قضية أمير دي زاد: مذكرة توقيف دولية ضد دبلوماسي جزائري تفجّر الأزمة بين باريس والجزائر
بوشعيب البازي
أصدرت السلطات القضائية الفرنسية مذكرة توقيف دولية بحق صلاح الدين سلوم، السكرتير الأول السابق لسفارة الجزائر في باريس، بتهمة التورط في اختطاف المعارض الجزائري المعروف أمير بوحورص، الشهير بلقب أمير دي زاد، على الأراضي الفرنسية. القضية التي كشفت عنها صحيفة لوموند يوم السبت 9 أغسطس، تأتي في سياق تصاعد غير مسبوق في التوتر بين فرنسا والجزائر، وتسلّط الضوء على أنشطة يُشتبه في أنها غير قانونية لأجهزة الأمن الجزائرية خارج حدود البلاد.
بحسب ما ورد في التحقيقات، يشتبه في ضلوع سلوم في «تكوين جماعة أشرار ذات طابع إرهابي بهدف التحضير لارتكاب جريمة أو أكثر». وتؤكد المعطيات التي توصلت إليها الشرطة القضائية الفرنسية بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الداخلية (DGSI) أن سلوم لم يكن مجرد دبلوماسي، بل كان يُمارس مهاماً أمنية تحت غطاء دبلوماسي رسمي.
تفاصيل العملية
بدأت الواقعة يوم 29 أبريل 2024، حين تم توقيف أمير دي زاد بالقرب من منزله في منطقة فال دو مارن، على يد أربعة أشخاص يرتدون ملابس مدنية، اثنان منهم كانوا يحملون شارات شرطة. تم تقييده ونقله في سيارة من نوع “رينو كليو” مزوّدة بجهاز إنذار ضوئي، ليتبيّن لاحقًا أن الأمر يتعلق بعملية اختطاف محكمة التخطيط.
خلال 27 ساعة من الاحتجاز، تعرّض أمير دي زاد للتخدير والاستجواب في موقع مجهول يُعتقد أنه مبنى مؤقت (Préfabriqué)، قبل أن يُطلق سراحه في منطقة غابية. لاحقاً، أثبتت تحريات المحققين أن صلاح الدين سلوم كان على تواصل دائم مع منفذي العملية، كما رُصدت إشارات هاتفه في عدة مواقع كان يتردد عليها الضحية، ما يشير إلى قيامه بمهام استطلاعية. كما أن مغادرته الأراضي الفرنسية تمت في اليوم التالي مباشرة للإفراج عن أمير دي زاد.
أبعاد دبلوماسية متأزمة
تأتي هذه القضية في خضم أزمة دبلوماسية متصاعدة بين باريس والجزائر. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد وجّه في السادس من أغسطس رسالة إلى رئيس الوزراء، نُشرت في صحيفة لوفيغارو، دعا فيها إلى تبنّي نهج أكثر صرامة تجاه السلطات الجزائرية، بما في ذلك تعليق العمل باتفاق عام 2013 المتعلق بالإعفاء من التأشيرات لحاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية، وتفعيل آلية الفيزا مقابل الترحيل التي تسمح برفض منح التأشيرات لفئات معينة من المسؤولين الجزائريين.
وفي رد باهت، اكتفت الجزائر ببيان مطوّل، أعقبه قرار بوقف توفير العقارات المُخصصة مجاناً للسفارة الفرنسية في الجزائر، دون التطرق مباشرة للاتهامات الموجهة ضد دبلوماسيها السابق.
ممارسات مقلقة تتجاوز الحدود
تكشف قضية أمير دي زاد عن نمط متكرر من الاستهداف الذي يطول المعارضين الجزائريين في الخارج، لا سيما في فرنسا وإسبانيا. فقد سبق أن تعرّض صحفيون آخرون من الجالية الجزائرية، مثل عبد السمار وهشام عبود، لمحاولات تهديد أو اختطاف أو حملات تشويه ممنهجة.
أما داخلياً، فالوضع الحقوقي في الجزائر لا يزال مثيراً للقلق، مع وجود نحو 250 معتقلاً سياسياً، من بينهم صحفيون ومثقفون وناشطون، تحت طائلة تُهم يُنظر إليها على نطاق واسع بأنها ذات طابع سياسي، كـ«تمويل الإرهاب» أو «المساس بأمن الدولة».
أبعاد سياسية داخلية وخارجية
تشير تحقيقات الصحافة الفرنسية إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون لعب دوراً مباشراً في متابعة المعارض أمير دي زاد، خاصة بعد سلسلة من الفيديوهات التي نشرها الأخير عام 2021، واتهم فيها أفراداً من عائلة الرئيس بالضلوع في قضايا فساد وتهريب مخدرات، في ما عُرف بـ«قضية كمال البوشي».
وبحسب مصادر قضائية، فإن القرار بـ”التعامل مع الملف خارج الأطر القانونية” تم اتخاذه في أعلى هرم السلطة، وبتنفيذ من جهاز المخابرات الخارجية (DGDSE) بقيادة الجنرال رشدي فتحي موساوي، المعروف باسم “صادق”، وبتنسيق مع ضباط بارزين آخرين، من ضمنهم محمد وسيم أبلول وبوعلام بوعلام، مدير ديوان الرئيس.
مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية
صدور مذكرة التوقيف الدولية ضد دبلوماسي سابق يمثّل خطوة قوية وغير مسبوقة من طرف القضاء الفرنسي، وتشير إلى نهاية ما كان يُعتبر سابقاً «حصانة سياسية» تجاه ممارسات الأجهزة الأمنية الجزائرية على التراب الأوروبي.
في ظل هذه التطورات، من المرجح أن تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية مزيدًا من التدهور، خاصة في غياب مؤشرات على استعداد الطرف الجزائري للتعاون القضائي أو تقديم توضيحات بشأن تورط ممثليه في هذه القضية ذات الطابع الجنائي والدبلوماسي الحساس.