الجزائر: نظام الجنرالات بين الهذيان السلطوي وجوع الشعب – قراءة في مأساة متجددة

حنان الفاتحي

تُثبت التجربة الجزائرية، سنة بعد سنة، أن نظام الجنرالات البائس قد فقد تمامًا مصداقيته، لا داخليًا ولا خارجيًا. ففي هذا الصيف الحارق، حيث بلغ العطش والجوع أوجهما، وصارت في المناطق الجنوبية مشاهد مأساوية لا تُطاق، إذ لا يجد الرضيع سوى مياه المجاري ليستقي منها، ويسقط الشيوخ فاقدي الوعي تحت وطأة العطش، خرج الشعب المغبون مطالبًا بحق أبسط من حقوق الإنسان: قطرة ماء صالحة للشرب.

غير أن رد النظام كان، كعادته، عسكريًا بامتياز. إذ أرسل الجنرالات جحافلهم القمعية، مُسلحين بعنف مفرط لا يُراعي لا حرمة الطفولة ولا كبر السن، ليتنكّلوا بالمواطنين، يضربون ويرفسون، كأن هؤلاء ليسوا أبناء الجزائر، بل أشباح غريبة تستحق القهر والتنكيل. ولا غرابة في ذلك، فالعسكر الذي يعصر المواطنين ويهضم كرامتهم، هو نفسه بقايا استعمارية تنتمي إلى حقبة غابرة من الهيمنة، ويمارس التربية القمعية على “الجيل الجديد من المقاومين” بدم بارد.

وصل قمع متظاهري الماء إلى مستويات مرعبة لم تشهدها البلاد من قبل، إذ تُروى عن حالات خطيرة مرمية في الشوارع، رأس بعضهم مفتوح والدماء تغطي أجسادهم، وآخرون كسرت أذرعهم وأرجلهم، بل وهناك من اختفى قسرًا، ولم يُعرف مصيره حتى الآن. هذه هي الجزائر التي يُديرها الجنرالات، تستولي على ثروات البلاد وأموالها، وتنكل بشعبها وتحتقره بكل وقاحة.

عقلية جنون العظمة والعجرفة التي يتحلى بها هؤلاء القادة، هي التي ستقود بلا شك إلى هلاك عصابتهم. فهؤلاء الجنرالات يشبهون البالون المنتفخ الذي يضخم نفسه بصوت عالٍ إلى أن يأتي اليوم الذي سينفجر فيه، ويتفتت كأنه لم يكن يومًا.

الأمر الأخطر أن هؤلاء يعلمون جيدًا أن الغالبية العظمى من الجياع يعيشون في مناطق الجنوب، التي تعاني الفقر والجوع والعطش معًا. تقارير عديدة تشير إلى أن ما يُهدر من الغذاء على مائدة الجنرالات وأسرهم في الأيام العادية والمناسبات يقدر بـ10 آلاف طن سنويًا، يُنتهي به المطاف في النفايات.

وهنا تتجلى المأساة الحقيقية: شعب بأكمله يلفت وجهه بعيدًا عمن يموتون جوعًا في الجنوب، بينما يموت جنرالاته من السمنة والتخمة. إن هذه القسوة المُعلنة ليست فقط فشلًا إداريًا أو اقتصاديًا، بل هي جريمة منظمة تُمارس بحق الإنسان، وتحفر عميقًا في جسد الوطن لتغرس فقرًا مدمرًا واحتقارًا ممنهجًا.

في نهاية المطاف، تظل الجزائر على هذا الدرب المظلم ما دام جنرالاتها يصرون على لعب دور الظالم والفاجر، ورفض الإصغاء لصوت شعب جائع ظمآن، يتوق للكرامة والحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com