أكد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، في منشور موجه إلى أعضاء حكومته، أن التسيير الاستباقي والمستدام للموارد المائية يمثل إحدى أولويات مشروع قانون المالية المقبل، تنفيذًا للتوجيهات الملكية الرامية إلى تعزيز قدرات تخزين السدود وتسريع وتيرة مشاريع تحلية مياه البحر.
ويأتي هذا التوجه انسجامًا مع خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، الذي شدد فيه على ضرورة تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وتأهيل المجالات الترابية من خلال برامج تنموية جديدة تستثمر الخصوصيات المحلية وتعزز التكامل بين الجهات، بما يتماشى مع ورش الجهوية المتقدمة ومبدأ التضامن الوطني.
الصحة والحماية الاجتماعية في صدارة الأولويات
وفق المذكرة التقديمية للمشروع، سيشكل قطاع الصحة محورًا إستراتيجيًا، مع خطة لتأهيل 1400 مؤسسة صحية أولية بحلول 2026، وإنشاء مركزين استشفائيين جامعيين في أغادير والعيون. كما ستعمل الحكومة على رفع عدد المهنيين الصحيين إلى 45 لكل 10 آلاف نسمة بحلول 2030، وتوسيع نطاق الدعم الاجتماعي المباشر ليستفيد منه نحو 4 ملايين أسرة عبر السجل الاجتماعي الموحد. وقد بلغت نسبة التغطية الصحية 88% بفضل تعميم التأمين الإجباري الأساسي.
نهج واقعي في التخطيط المالي
يرى رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية، رشيد ساري، أن المذكرة التوجيهية تعكس “نهجًا واقعيًا صارمًا” يقوم على ضبط الإنفاق وتوجيه الميزانية نحو الأولويات الوطنية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية والمناخية. وأوضح أن الميزانية ستكون مبنية على النتائج، مع التركيز على الأداء وتحقيق أثر ملموس في ملفات حساسة مثل البطالة، القدرة الشرائية، والسيادة الغذائية.
الأمن المائي… ركيزة للسيادة الغذائية
تولي الإستراتيجية المائية الجديدة أهمية لمشاريع الربط بين الأحواض المائية، مثل “الطريق السيار المائي”، لمنع فقدان أي قطرة ماء وتوجيه المياه المعالجة نحو القطاعات الحيوية وعلى رأسها الزراعة. ويؤكد ساري أن هذه المقاربة تضمن الأمن الغذائي وتحد من التضخم الزراعي، فضلًا عن ترسيخ الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
كما أشار إلى أن المغرب يمتلك ميزة جغرافية تمنحه سيادة مائية كاملة، إذ تنبع جميع أنهاره وأوديته من داخل أراضيه، ما يمنح هذه الإستراتيجية فرص نجاح عالية.
مشاريع قيد الإنجاز وأهداف طموحة
بحلول 2026، سيتم تعزيز قدرات التخزين عبر إنشاء سدي بني عزيمان وسيدي عبو، إلى جانب مواصلة مشاريع الربط المائي لتحقيق التوازن بين الأحواض التي تعرف فائضًا وتلك التي تعاني خصاصًا. وفي موازاة ذلك، تمضي الحكومة في تنفيذ خارطة الطريق الوطنية لتحلية مياه البحر، بهدف بلوغ طاقة إنتاجية تفوق 1.7 مليار متر مكعب سنويًا بحلول 2030، أي ما يعادل خمسة أضعاف القدرة الحالية، لتغطية أكثر من نصف احتياجات البلاد من مياه الشرب وري الأراضي الزراعية الإستراتيجية.
ويشمل المخطط تنفيذ خمسة مشاريع كبرى للتحلية في جهات الشرق، وسوس ماسة، والدار البيضاء، وكلميم، وطانطان، بطاقة تتراوح بين 50 و250 مليون متر مكعب سنويًا، مع تخصيص جزء مهم من المياه المنتجة للري ضمن المخطط الوطني لرفع كفاءة استعمال المياه في الزراعة.
بهذه الرؤية، يسعى المغرب إلى تحويل تحديات ندرة المياه والتفاوت التنموي إلى فرص لبناء نموذج تنموي متكامل، يزاوج بين التنمية المستدامة والسيادة الغذائية والمائية، ويعزز قدرة البلاد على مواجهة التقلبات الإقليمية والدولية.