الجزائر وسفارة الصومال… حين يتحول افتتاح بروتوكولي إلى معركة دبلوماسية حول الصحراء
يوسف الفرج
لم يكن حفل افتتاح المقر الجديد لسفارة الصومال في الجزائر، الأحد الماضي، مجرد مناسبة بروتوكولية عادية. فبالنسبة لصناع القرار في قصر المرادية، كان الأمر جزءًا من استراتيجية قديمة/جديدة: استثمار كل علاقة ثنائية، مهما كانت صغيرة أو بعيدة، في خدمة ملف وحيد يُعتبر “ألف الدبلوماسية الجزائرية ويائها”: النزاع حول الصحراء المغربية.
المناسبة بدت، رسميًا، وكأنها احتفاء بـ”علاقات تعاون وتضامن تاريخية” بين الجزائر ومقديشو، كما جاء في برقية مطولة من وكالة الأنباء الجزائرية. لكن خلف الخطابات المزوقة وابتسامات المجاملة، كان الهدف واضحًا: الصومال، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، قد يكون له صوت مؤثر في أكتوبر المقبل عند التصويت على قرار جديد بخصوص الصحراء. ومع انتهاء الولاية الجزائرية داخل المجلس نهاية هذا العام، تبدو كل ورقة ضغط ثمينة، وكل حركة دبلوماسية محسوبة بعناية.
وزيرة الدولة المكلفة بالشؤون الإفريقية، سلمى بختة منصوري، لم تُخفِ هذه النية حين تحدثت عن “فرص إضافية للتشاور والتنسيق” بفضل العضوية المشتركة في مجلس الأمن. ترجمة العبارة في القاموس السياسي الجزائري: محاولة لجر الصومال نحو موقف داعم للأطروحة الانفصالية، أو على الأقل إبعاده عن دعم الطرح المغربي.
لكن هذه “المحاولات الاستعراضية” ليست استثناء، بل جزء من تقليد دبلوماسي راسخ في الجزائر: تخصيص الوقت والجهد والموارد لمواجهة المغرب على الساحة الدولية، حتى وإن كان ذلك على حساب قضايا أخرى أكثر إلحاحًا.
السوابق عديدة. ففي مايو الماضي، قام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة دولة إلى سلوفينيا، بحثًا عن “موقف” حول الصحراء، ولو بثمن عقد غازي سخي. كل ذلك لأن سلوفينيا كانت من الدول القليلة التي صوتت لصالح تعديلات جزائرية على قرار مجلس الأمن رقم 2756 في أكتوبر 2024، وهي تعديلات فشلت قبل أن تولد. النتيجة؟ إحراج دبلوماسي علني، دفع الوفد الجزائري إلى مقاطعة التصويت نفسه.
ومع ذلك، يصر الخطاب الرسمي الجزائري على تقديم كل لقاء أو تصريح، حتى لو كان عامًا وفضفاضًا، وكأنه دعم صريح للموقف الانفصالي. وأحيانًا، لا يتردد تبون في “تحوير” التصريحات. المثال الأحدث كان في روما، حين نسب إلى رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، دعمًا لم تقله قط، بينما نص البيان الإيطالي الرسمي على صيغة أممية عامة حول “حل متوافق عليه”.
يبقى السؤال: هل هذه الجهود ستغير المعادلة؟ الواقع يشير إلى العكس. فثلاثة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة المتحدة) يدعمون رسميًا مغربية الصحراء وخطة الحكم الذاتي، بينما الصين وروسيا تفضلان المواقف الحذرة، ما يجعل أي محاولة جزائرية لتغيير موازين التصويت شبه مستحيلة. أما الصومال، التي تسعى الجزائر لاستمالتها، فقد افتتحت بالفعل قنصلية في الداخلة، في إشارة واضحة لموقفها الفعلي.
في النهاية، مهما تعددت الابتسامات أمام الكاميرات أو زادت حفلات قص الشريط، تبقى النتيجة واحدة: جعل الصحراء المحور الأوحد للدبلوماسية الجزائرية ينتهي، في الغالب، بفشل مدوٍّ… ومعه سؤال يزداد إلحاحًا: هل بقي لدى الجزائر ما تقدمه غير هذه المناورات العقيمة؟