القنيطرة، هذه المدينة الساحلية ذات النسيم الأطلسي العليل، عُرفت لعقود بجمالها الطبيعي، وأحيائها الهادئة، وأمان شوارعها، وحسن ضيافة سكانها الذين يفتحون قلوبهم قبل أبوابهم للزائرين. هي مدينة تستطيع أن تتناول فيها قهوتك على الرصيف وأنت مطمئن أن جارك سيبتسم لك بدل أن يرمقك بريبة.
لكن، وكما في كل قصة جميلة، هناك دائماً من يصرّ على إفساد المشهد. في الآونة الأخيرة، بدأ بعض المستثمرين “العباقرة” في السعي للحصول على رخص لفتح محلات بيع الخمور في أحياء كانت حتى الأمس القريب عنواناً للسكينة والراحة. والنتيجة المتوقعة؟ مشاجرات ليلية، ضوضاء حتى ساعات الفجر، وطرقات تتحول إلى ساحات ملاكمة مجانية… مع غياب أي ضمانة أن هذه الرخص قانونية أصلاً.
والأغرب من ذلك هو الذريعة التي يختبئ وراءها المستفيدون من هذه الرخص: بيع الخمر للأجانب! ذريعة تبدو مضحكة أكثر من كونها مقنعة، خاصة وأن القنيطرة ليست مراكش أو أكادير ولا تشتهر بتدفق أعداد كبيرة من السياح الأجانب، فما بالك بـ”كم هائل” يبرر فتح محلات خمور عند كل زاوية؟ الحقيقة أن المستفيدين الحقيقيين ليسوا السياح المزعومين، بل فئة محدودة تعرف جيداً كيف تحوّل هذه الرخص إلى تجارة مربحة على حساب راحة وأمان السكان.
سكان القنيطرة، الذين يقدّر عددهم بالآلاف في هذه الأحياء، يجدون أنفسهم اليوم في مأزق لا يحسدون عليه: هل يستمرون في دفع الضرائب والعيش وسط “المهرجانات الليلية” التي ينظمها رواد هذه المحلات؟ أم يهاجرون إلى ضواحي أبعد بحثاً عن الهدوء؟ الأسوأ أن بعض مالكي هذه الحانات يتصرفون وكأن القانون مجرد اقتراح، في تحدٍّ سافر لحق السكان في الأمن والطمأنينة.
والأرقام لا تكذب ، في مدن أخرى، ارتفعت معدلات الجريمة وحوادث السير المرتبطة بالقيادة في حالة سكر، وهو السيناريو الذي يخشى القنيطريون أن يتكرر هنا. أن تتحول القنيطرة، مدينة الابتسامة والضيافة، إلى نسخة بائسة من “الحي اللي ما ينعسش”، فهذا أمر لا يقبله لا التاريخ ولا البحر الذي يغسل شواطئها كل صباح.
قد لا تكون القنيطرة بحاجة إلى المزيد من “الاستثمارات” التي تبيع قنينات الزجاج بدل فرص الشغل، ولا إلى من يغيّر ملامحها باسم “التنمية الليلية”. هي بحاجة فقط إلى أن تبقى كما هي ، مدينة تفتح أبوابها للشمس، لا للسكّيرين.