كشف تقرير صادر عن “مركز المؤشر للدراسات والأبحاث” في المغرب بعنوان “من الانحباس السياسي إلى سيناريوهات ما بعد 2026”، أن البنية الحزبية في المغرب تمر بأزمة وجودية غير مسبوقة، وتواجه أسئلة كبرى حول مستقبل التعددية السياسية وقدرتها على الاستجابة للمتغيرات العميقة في المجتمع كما تعاني معظم الأحزاب، سواء التقليدية منها أو الحديثة، من ضعف كبير في هياكلها وقواعدها، وتراجع في قدرتها على التأطير وإنتاج الأفكار وغياب آليات التداول الديمقراطي الداخلي، واحتكار القرار من طرف الزعامات، مما يفرغ العمل الحزبي من محتواه التعددي ويفقده جاذبيته.
وأكد التقرير، أن المشهد الحزبي المغربي وصل إلى مفترق طرق حاسم، مما يجعل مستقبله مفتوحا على سيناريوهات متباينة ستحدد معالمها استحقاقات 2026 بشكل كبير، موضحا أن التحولات التي أعقبت الانتخابات التشريعية لسنة 2021 كانت بمثابة كاشف لهذه الأزمة العميقة، حيث لم تقتصر تداعياتها على مجرد إعادة ترتيب موازين القوى داخل الساحة السياسية، بل تجاوزت ذلك لتطرح إشكاليات أعمق تتعلق بمشروعية وجود الأحزاب نفسها، ونجاعة وظائفها في الوساطة والتمثيل.
واستمر التقرير في التفسير بالقول، أنه حين أفرزت صناديق الاقتراع تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار للمشهد، أظهرت بالمقابل عددا من الأحزاب التي كانت توصف بالتقليدية تراجعا تاريخيا وغير مسبوق، حيث فقدت جزءا كبيرا من قواعدها الانتخابية وتأثيرها السياسي، إذ أن هذه الأزمة ليست مجرد أزمة نتائج انتخابية عابرة، بل هي أزمة بنيوية معقدة تطال مختلف المستويات.
وأكد رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري، على “حجم المسؤولية المشتركة الملقاة على عاتق مختلف الفاعلين لإنجاح الانتخابات التشريعية المرتقبة سنة 2026، بالنظر إلى أنها ستفرز نُخبا جديدة ستكون مسؤولة عن تدبير مرحلة حاسمة من تاريخ البلاد، والتي تتطلب كفاءات سياسية وتدبيرية قادرة على مواكبة برامج اقتصادية واجتماعية كبرى، كما أن فتح النقاش حول القوانين الانتخابية سيمكن من تفادي الارتباك أو التسرع، الذي كان يطبع هذه النقاشات في السنوات السابقة، ليَسمح بإعداد مُحكم يراعي الملاحظات التي أثيرت في تجارب سابقة.”
رضوان اعميمي: يجب على الأحزاب تجديد الهياكل وتفعيل مؤسساتها
وأوضح لـ“العرب”، أن “المرحلة تقتضي تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية، خصوصا مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية الحالية؛ ما يجعل من هذا التمرين فرصة إيجابية يجب أن تتلقفها الأحزاب السياسية بروح ديمقراطية مسؤولة، من خلال التفاوض وتغليب المصلحة العامة والمنهجية التشاركية، وتجديد الهياكل وتفعيل مؤسساتها، بما يضمن أن تكون الاقتراحات الصادرة عنها نابعة من قواعدها الداخلية، وتعكس رؤيتها المستقبلية للشأن السياسي، ولأدوارها في قادم المراحل التشريعية والحكومية.”
وتعمل الأحزاب السياسية المغربية، منذ لقائها الأخير مع وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، على صياغة مذكراتها الخاصة بالانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها سنة 2026، تتضمن مقترحات رئيسية بشأن هذه المحطة السياسية.
وتتطلع تلك الأحزاب إلى منظومة انتخابية نزيهة وشفافة، مع توسيع المشاركة السياسية والتخفيف من حدة العزوف، إلى جانب تقليص عدد مكاتب التصويت، بحجة أن الأحزاب تعجز عن تغطيتها كاملة، فضلا عن اعتماد البطاقة الوطنية للتصويت عوضا عن التسجيل في اللوائح الانتخابية، مع أولوية دعم التمثيلية النيابية للنساء والشباب.
وأكدت شريفة لموير، الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن “ظاهرة ترحال المنتخبين عن الأحزاب بالمغرب ليست جديدة، ما يجعل المسؤولية تقع بشكل كبير على الأحزاب السياسية التي تخلت عن أدوارها التأطيرية، الأمر الذي يجعل هذه الظاهرة تنمو مع اقتراب المحطة انتخابية المقبلة 2026.”
وقالت لـ“العرب”، إنه “رغم أن القوانين الانتخابية الجديدة أعطت لأمناء الأحزاب الحق في تقديم طلبات تجريد منتخبيهم الذين غيروا انتماءهم إلى أحزاب أخرى من مهامهم الانتخابية، إلا أن القيادات الحزبية لم تنجح في أخلقة المشهد السياسي والحد من ظاهرة الترحال، وفي المقابل لا يمكن إنكار النظرة البراغماتية من طرف المنتخبين تجاه الأحزاب، مع تسابق التنظيمات لاستقطاب محترفي النجاح الانتخابي بغية الظفر بأكثر المقاعد، وبالتالي فقد أساءت هذه الظاهرة للعمل السياسي.”
وسلط تقرير “مركز المؤشر للدراسات والأبحاث” الضوء على ظاهرة “الترحال السياسي” والتي تعني انتقال للمنتخبين من تنظيم سياسي لآخر دون اعتبار للأيديولوجية أو البرنامج الحزبي، كأحد أخطر أعراض هذه الأزمة، حيث كشف أن أكثر من 30 في المئة من البرلمانيين غيروا انتماءهم الحزبي بين عامي 2016 و2021.
ووصف هذا الرقم بـ”المقلق” لأنه يعكس هشاشة الولاء الحزبي وضعف البنية الأخلاقية للمنظومة السياسية، ويقوض الاستقرار المؤسساتي، كما أدى إلى تراجع الامتداد الأيديولوجي للأحزاب، وبروز أشكال هجينة من التعبئة السياسية يغلب عليها الطابع المناسباتي والانتهازي، والذي سيؤثر سلبا على مصداقية الأحزاب في أعين المواطنين ويفقدهم الثقة في العملية السياسية برمتها.