الذاكرة كوثيقة إدانة: معركة الناجين من جحيم تندوف أمام العدالة الدولية

بوشعيب البازي

أعلنت جمعية «العودة لضحايا سجون ومعتقلات البوليساريو»، التي تضم عشرات الناجين من جحيم الاعتقال في مخيمات تندوف، عن شروع أعضائها في خطوات قانونية أمام المحاكم الدولية المختصة ضد السلطات الجزائرية وقيادات جبهة البوليساريو، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، في خطوة تمثل منعطفاً جديداً في معركة الذاكرة والعدالة. يقود هذه المبادرة محمد مولود شويعر، أحد أقدم الضحايا وأبرز الشهود على الممارسات القمعية التي ارتُكبت لعقود على التراب الجزائري، والذي اختُطف سنة 1975 وهو في السادسة عشرة، ليقضي ستة عشر عاماً في معتقلات سرية حيث التعذيب الجسدي والنفسي، والعمل القسري، والتجويع، والحرمان من النوم، والموت الذي كان جزءاً من المشهد اليومي. شهاداته، الموثقة بتفاصيل الفظائع، تصف معتقلات «الرشيد» و«الدهيبية» و«لحفر» بأنها مسالخ بشرية ارتُكبت فيها أفعال ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، من دفن المعتقلين أحياء، إلى الإعدامات الميدانية، وصولاً إلى أشكال تعذيب تنتهك أبسط مبادئ الكرامة الإنسانية.

التحرك القانوني للجمعية يعتمد على التعاون مع محامين دوليين ومنظمات حقوقية، واستناد قانوني إلى اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مع تحميل الجزائر المسؤولية القانونية والأخلاقية باعتبارها الدولة الحاضنة والداعمة لميليشيات الجبهة، مما يضع النظام الجزائري في موقع المساءلة المباشرة.

رغم الصعوبات المادية التي تواجه مسار الترافع، يصرّ شويعر وزملاؤه على المضي قدماً، واضعين نصب أعينهم هدف تحويل ذاكرة الجحيم إلى وثيقة إدانة تُعرض أمام المحاكم الدولية، بحيث يصبح صمت العالم شريكاً في الجريمة إن لم تتحقق العدالة.

وفي ظل استمرار غياب الحقيقة بشأن مصير كثير من المفقودين، وغياب الشواهد عن قبور الضحايا، يظل الملف مفتوحاً على المستقبل، مدفوعاً بإرادة الناجين في أن تتحول معاناتهم إلى قوة قانونية وأخلاقية توقف دوامة الإفلات من العقاب، وتعيد الاعتبار لضحايا مأساة حوّلت حقوق الإنسان إلى شعار زائف تحت ظلال التعذيب والقمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com