في مواجهة التحديات المتزايدة التي تفرضها المنصات الرقمية على الخطاب الديني التقليدي، أطلق أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، إصلاحاً هيكلياً شاملاً يستهدف تعزيز حضور المذهب المالكي وصون الثوابت الدينية والوطنية من محاولات الاختراق الفكري والمذهبي التي يقودها ما بات يُعرف بـ”فقهاء الإنترنت” ومنتجو محتوى “روتيني اليومي”.
هذه الفئات، التي تجذب ملايين المتابعين عبر حملات رقمية ذات طابع تعبوي أو استهلاكي، باتت تمثل تهديداً مباشراً للانسجام الديني والاجتماعي، مما استدعى تدخلاً مؤسساتياً يقوم على مقاربة تقنية وإدارية متكاملة. وتقوم رؤية وزارة الأوقاف، كما عرضها التوفيق في رده الكتابي على سؤال برلماني، على تحديث أدوات صناعة المحتوى الديني وتوسيع منصاته الرقمية الرسمية، بالتنسيق مع المجلس العلمي الأعلى، لضمان وصول خطاب ديني رصين إلى جمهور واسع، مع التركيز على فئة الشباب التي تشكل 70٪ من رواد هذه المنصات.
وقد أسفر هذا التوجه عن إنتاج 200 ألف محتوى رقمي مفهرس، استقطب نحو 1.8 مليون زيارة، إضافة إلى إدارة 20 صفحة على “فيسبوك” تضم 700 ألف مشترك، ومنصات على “يوتيوب” و”تيك توك”، فضلاً عن 282 صفحة للمجالس العلمية تتابعها شريحة جماهيرية تقدر بـ800 ألف مشترك. كما أطلقت الوزارة منصة متخصصة في الحديث الشريف تضم 12 ألف حديث، مدعومة بخدمة تفاعلية للإجابة عن استفسارات المواطنين التي تجاوزت 3500 سؤال، نالت تقييماً عالياً على متجر “بلاي ستور”، فيما يجري العمل على إطلاق منصة مماثلة للقرآن الكريم وعلومه. ولضمان جودة الأداء الرقمي للمؤطرين الدينيين، يجري تنفيذ برنامج تكوين رقمي لفائدة 3900 إمام ومرشد ومرشدة، بهدف تزويدهم بالمهارات اللازمة لإنتاج محتوى تفاعلي متوافق مع معايير الاتصال الرقمي المعاصر.
وإلى جانب البعد الرقمي، عززت الوزارة بنيتها التوثيقية عبر إتاحة مجلات وكتب وأبحاث علمية، مثل مجلة “دعوة الحق”، وإطلاق نافذة إلكترونية للنشر الأكاديمي، وتنظيم وبث أكثر من 200 نشاط علمي وثقافي. هذا التحرك، الذي يتطلب زيادة في ميزانية 2026، لا يعكس مجرد تحديث إداري، بل هو استراتيجية وقائية وهجومية في آن واحد، ترمي إلى تحصين الفضاء الرقمي المغربي من الخطابات المذهبية الوافدة، وترسيخ المرجعية المالكية باعتبارها إحدى ركائز الهوية الروحية للمغرب.