إيران أخطر من إسرائيل على العرب : قراءة مقارنة في البعد الإستراتيجي
في أحد نقاشات عام 2013 بحلب، حين كان الاعتقاد سائداً أن إيران “لن تتخلى عن سوريا في مواجهة أمريكا وإسرائيل”، جاء الرد بأن: إيران أخطر من إسرائيل، ليس على سوريا فحسب، بل على العرب جميعاً. لم يكن ذلك رأياً عابراً، بل خلاصة قراءة تاريخية لسلوك إيران ومشروعها التوسعي، الذي يتخفى وراء شعارات المقاومة والمظلومية الدينية.
فإسرائيل كيان استيطاني واضح، بينما إيران مشروع أخطبوطي، يندس تحت قناع “الدين والمذهب” ويوظف خطاب “التحرير” ليتوسع في الجغرافيا العربية من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، وحتى شمال إفريقيا.
أولاً: الاستيطان الإيراني والإسرائيلي
إذا كان الاستيطان الإسرائيلي قد اغتصب فلسطين، فإن إيران سبقت إلى ابتلاع إقليم الأحواز (1925) وحرمان أهله من هويتهم العربية، ثم استولت على الجزر الإماراتية الثلاث (1971). ومثلما تدعي إسرائيل “حقاً تاريخياً” في فلسطين، تدعي إيران “حقاً فارسياً” في الخليج والعراق والشام. تصريح علي يونسي (مستشار روحاني) بأن “بغداد عاصمتنا اليوم” يلخص ذهنية الهيمنة الفارسية.
ثانياً: استغلال الدين والمذهب
كما استغلت الصهيونية يهود العرب لبناء إسرائيل ورفعت شعار “معاداة السامية”، استغلت إيران الشيعة في المنطقة وحولتهم من مواطنين متفاعلين مع قضايا أوطانهم إلى طابور خامس يأتمر بأوامر المرشد. أنشأت الميليشيات الطائفية مثل حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين، وجعلت منهم أدوات عسكرية لتفتيت الدول.
وبذلك، نجحت إيران في ما هو أخطر: تفكيك النسيج الاجتماعي العربي من الداخل، وتدمير الثقة الوطنية لحساب مشروع مذهبي–فارسي.
ثالثاً: تغيير ديمغرافي و”احتلال ناعم”
في سوريا، لا تكتفي إيران بالمشاركة العسكرية، بل تعمل على تغيير ديمغرافي عبر شراء العقارات، بناء الحسينيات، وتوسيع نفوذ حزب الله. يشبه ذلك الاحتلال الصهيوني في فلسطين، لكنه أخطر لأنه يتم تحت غطاء “إعمار الأضرحة” و”حماية المقدسات”.
رابعاً: النزعة العنصرية
كما نظرت إسرائيل إلى العرب باحتقار في الأدب العبري، يصوّر الأدب الفارسي الحديث العربي بأنه “بدائي، قذر، آكل جراد”. هذه النظرة ليست هامشية بل جزء من بنية الهوية الفارسية الحديثة التي تحتقر العرب وتعتبرهم أدنى من “العرق الآري”.
خامساً: العلاقات الإيرانية–الإسرائيلية: عداء مزيف
رغم شعارات “الموت لإسرائيل”، فإن العلاقات الاقتصادية بين إيران وإسرائيل عميقة. هناك شركات إسرائيلية تعمل في مجالات الطاقة داخل إيران، واستثمارات متبادلة تتجاوز مليارات الدولارات، بينما يُمنع المسلمون السنة من بناء مسجد واحد بطهران في حين تحتضن إيران أكثر من 200 كنيس يهودي.
إذن، العداء الإيراني المعلن لإسرائيل ليس سوى خداع إستراتيجي يهدف لاختراق النفوس العربية واليائسة بعد هزائم 1967 وما تلاها.
سادساً: تهديد المغرب وأوروبا
خطر إيران لم يعد محصوراً بالمشرق. فمحاولاتها المتكررة لاختراق المغرب عبر دعم جبهة البوليساريو بالسلاح والغطاء الدبلوماسي (عبر حزب الله) تكشف أن طهران ترى شمال إفريقيا جزءاً من مجالها الإستراتيجي.
هذا التمدد لا يهدد وحدة المغرب فحسب، بل يفتح بوابة للفوضى نحو أوروبا، حيث تستثمر إيران في ورقة الهجرة، الطاقة، والميليشيات العابرة للحدود لابتزاز العواصم الأوروبية.
فبينما يظل الخطر الإسرائيلي محصوراً جغرافياً في فلسطين والقدس، فإن الخطر الإيراني يتمدد في قوس جغرافي من طهران إلى شواطئ الأطلسي.
سابعاً: الحقيقة الكامنة وراء “المقاومة”
إيران لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، بينما حولت ميليشياتها إلى أدوات لتدمير سوريا والعراق واليمن. بل إن تدخلها العسكري خدم عملياً إسرائيل، لأنها ضمنت بذلك إضعاف الجبهة العربية وتفكيك جيوشها الوطنية.
إن شعار “المقاومة” ليس سوى ستار للهيمنة الفارسية: إيران تستعمل فلسطين جسراً لاجتياح العرب، لا لتحريرها.
الخطر الإيراني يوازي – بل يتجاوز – الخطر الإسرائيلي في كثير من جوانبه:
-
إسرائيل عدو واضح، لكن إيران عدو خفي يندس داخل البنية العربية.
-
إسرائيل مشروع استيطاني مكشوف، أما إيران فمشروع اختراق ناعم قائم على المذهب والطائفية.
-
إسرائيل تستولي على الأرض، وإيران تستولي على العقل والهوية والقرار السياسي.
ومن المغرب إلى سوريا، ومن الخليج إلى أوروبا، فإن مواجهة هذا الخطر لا تكون بالشعارات، بل عبر تحصين الداخل العربي، بناء الثقة الوطنية، قطع الطريق على الطائفية، وتحرير القضية الفلسطينية من الاستثمار الإيراني المريب.