المغرب على أعتاب صفقة تاريخية لاقتناء مقاتلات إف–35 الأميركية: تحول إستراتيجي في موازين القوى الإقليمية
بقلم: بوشعيب البازي – كاتب صحفي
يقترب المغرب من إبرام صفقة عسكرية وُصفت بالتاريخية لاقتناء 32 مقاتلة من طراز إف–35 لايتنينغ 2 الأميركية، وفق ما أورده موقع ميلتيري أفريكا المتخصص في الشؤون الدفاعية. وبذلك، سيكون المغرب أول دولة عربية وأفريقية تُشغّل هذه المقاتلة الشبحية من الجيل الخامس، وهو ما يمثل نقلة نوعية في قدراته الدفاعية والجوية.
تفاصيل الصفقة وتحديث المنظومة الدفاعية
تُقدر قيمة الصفقة بحوالي 17 مليار دولار على مدى 45 عاماً، وتشمل التوريد والصيانة والدعم الفني المستمر، فضلاً عن تطوير أسطول الطائرات الحالي من طراز إف–16 إلى معيار فايبر، المجهّز بأحدث أنظمة الرادار APG-83 من شركة نورثروب غرومان.
وفي إطار إستراتيجية عسكرية أشمل، يعمل المغرب على تعزيز قدراته في مجال الاستخبارات والمراقبة الجوية من خلال تعديل طائرتين من نوع Gulfstream G550 في الولايات المتحدة وتزويدهما بأنظمة متطورة من شركة إيلتا الإسرائيلية، بالإضافة إلى توسيع قدراته الفضائية عبر نشر أقمار صناعية لأغراض المراقبة الحدودية، خصوصاً على المناطق المحاذية للجزائر.
كما تتضمن الصفقة تجهيزات نوعية من قبيل حاضن الاستهداف Sniper AN/AAQ–33 من لوكهيد مارتن، وأنظمة متقدمة للحرب الإلكترونية، بما يعزز قدرة القوات الجوية الملكية على مواجهة التهديدات الجوية والإلكترونية المعقدة.
انعكاسات إستراتيجية على موازين القوى
بحسب التقرير، فإن هذه الصفقة تمثل منعطفاً فارقاً في تاريخ الجيش المغربي، ليس فقط من حيث تعزيز تفوقه الجوي، بل كذلك لكونها تفتح آفاق تعاون عسكري وتقني أوسع مع الحلفاء الإستراتيجيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وحلف الناتو.
ويُتوقع أن تكتمل جاهزية المغرب التشغيلية لهذه المقاتلات بحلول عام 2035، بعد دمجها بسلاسة ضمن الأسطول الحالي. كما سيتيح ذلك تعزيز قدرات الردع الاستراتيجي وبناء عقيدة دفاعية متكاملة تراعي موازين القوى الإقليمية، خاصة في ظل التوترات المستمرة مع الجزائر حول قضية الصحراء.
قراءة أكاديمية وخبرة إستراتيجية
في هذا السياق، يرى الأكاديمي والخبير المغربي في الشؤون الإستراتيجية، هشام معتضد، أن “اقتناء المغرب لمقاتلات إف–35 يعكس رؤية إستراتيجية متقدمة تهدف إلى بناء تفوق جوي تقني وعملياتي بأحدث ما توفره التكنولوجيا العسكرية العالمية، خصوصاً في مجالات التخفي والقتال الذكي”.
ويؤكد معتضد أن هذا التوجه “لا يستهدف الإخلال بأمن المنطقة، بل يعكس حرص المغرب على تعزيز أمنه القومي في مواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية، مع الحفاظ على علاقات التعاون الإستراتيجي القائمة، خصوصاً مع إسبانيا والولايات المتحدة”.
أما الصحفي بوشعيب البازي، فيقدم قراءة مكمِّلة من زاوية مختلفة، إذ يرى أن “رهان المغرب على مقاتلات إف–35 يتجاوز البعد العسكري التقليدي، ليعكس إدماج البعد التكنولوجي المتقدم في بناء القوة الشاملة للدولة”. ويضيف البازي أن “هذه الصفقة ليست مجرد اقتناء سلاح متطور، بل هي استثمار في منظومة متكاملة من المعرفة التقنية، والشراكات الصناعية، وفرص التدريب المشترك، ما يعزز مكانة المغرب كفاعل إقليمي يمتلك رؤية دفاعية مبنية على الابتكار والتفوق النوعي”.
كما يؤكد البازي أن “تحرك المغرب في هذا الاتجاه يعكس وعياً بضرورة التحول من مفهوم الردع الكلاسيكي إلى ردع استباقي، يعتمد على الجاهزية العملياتية العالية، والتكامل بين القدرات الجوية والفضائية والسيبرانية، وهو ما يمنح المملكة موقعاً متقدماً ضمن بيئة إقليمية متقلبة”.
موقع المغرب في المعادلة الجيوسياسية
إن امتلاك المغرب لهذه الطائرات، إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى مثل باتريوت الأميركي وسكاي دراغون الصيني، يعزز موقعه كقوة إقليمية صاعدة قادرة على فرض ميزان ردع ذكي يحمي مصالحه ويكرّس استقلالية قراره الدفاعي.
وتجمع مقاتلة إف–35 بين خصائص الشبحية، وتعدد المهام، وأنظمة الطيران الإلكترونية المتطورة، ما يجعلها أداة فعالة للتفوق الجوي والهجوم الأرضي والاستطلاع. وتوافر نسخها الثلاث (F-35A، F-35B، F-35C) يتيح للمغرب خيارات عملياتية متعددة تتناسب مع طبيعة بيئته الإستراتيجية.
إن التوجه المغربي نحو تحديث شامل ومتزن لترسانته الدفاعية يعكس رؤية إستراتيجية بعيدة المدى، قوامها الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، وتنويع مصادر التسليح، وتعزيز الشراكات العسكرية مع القوى الكبرى. وإذا ما أُنجزت هذه الصفقة، فستضع المغرب في مصاف الدول القليلة التي تمتلك قدرات جوية من الجيل