تونس بين مطرقة الحاجة الاقتصادية وسندان الصراع المغاربي: أبعاد انخراطها في ملف الصحراء المغربية
بوشعيب البازي
منذ استقلالها، احتفظت تونس بموقع متوازن نسبياً في قضايا الجوار المغاربي، لا سيما في ملف الصحراء المغربية الذي ظل محوراً للتجاذبات بين الرباط والجزائر. غير أن هذا التوازن شهد اختلالاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع وصول الرئيس قيس سعيّد إلى السلطة، حيث برزت مؤشرات متزايدة على انحياز تونسي لصالح المواقف الجزائرية.
اتهامات خطيرة: جوازات سفر لعناصر من البوليساريو
كشفت مصادر مطلعة أن السلطات التونسية قامت، في سياق تنسيقها الأمني والسياسي مع الجزائر، بمنح جوازات سفر تونسية، من بينها جوازات دبلوماسية، لعناصر محسوبة على جبهة البوليساريو. هذه الخطوة، التي تثير مخاوف على مستوى الأمن الإقليمي، اعتُبرت تحولاً نوعياً في موقف تونس، حيث لم يسبق لها أن تورطت بهذا الشكل المباشر في دعم طرف يُصنَّف دولياً على أنه غير شرعي.
إلى جانب ذلك، أشارت المعطيات نفسها إلى أن الأراضي التونسية أصبحت ملاذاً لبعض قيادات البوليساريو، الذين يتمتعون بحرية الحركة والإقامة، وهو ما اعتُبر إشارة واضحة على تبنّي تونس سياسة أكثر التصاقاً بالموقف الجزائري.
العامل الاقتصادي: تبعية تونسية متنامية للجزائر
التحول في الموقف التونسي لا يمكن فصله عن الوضع الاقتصادي الهش الذي تمر به البلاد. فحسب مصادر رسمية جزائرية، فإن الحكومة التونسية لن تتمكن من الاستمرار دون المساعدات الجزائرية، سواء عبر القروض المباشرة، أو الإمدادات الطاقية، أو الدعم اللوجستي.
هذا الواقع جعل تونس رهينة للتوازنات التي تفرضها الجزائر، ما يفسر ميلها نحو الانخراط في الملفات الإقليمية الحساسة، بما فيها قضية الصحراء المغربية، مقابل ضمان استمرار تدفق المساعدات المالية.
من الدفء الدبلوماسي إلى البرود: العلاقات المغربية–التونسية
لم تكن العلاقات المغربية–التونسية دوماً على هذا القدر من التوتر. فقد جمع البلدين تاريخ طويل من التعاون الثنائي، خاصة في المجالات الثقافية والتعليمية والاقتصادية، وكانا يشتركان في رؤية مغاربية تقوم على التعاون والتكامل.
غير أن وصول قيس سعيّد إلى الحكم مثّل منعطفاً حاسماً. فمع تقارب تونس المتسارع مع الجزائر، وما رافقه من مواقف داعمة للبوليساريو، تدهورت العلاقات مع المغرب، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة من البرود، تجلت خصوصاً في استقبال قيس سعيّد لزعيم الجبهة الانفصالية في قمة طوكيو الدولية للتنمية (تيكاد 8) سنة 2022، وهو حدث أثار أزمة دبلوماسية حادة بين الرباط وتونس.
أبعاد ودلالات
- دبلوماسياً: فقدت تونس موقعها كفاعل محايد في النزاع الإقليمي، ما قد يحد من قدرتها على لعب أدوار وسيطة في المستقبل.
- أمنياً: تورط تونس في توفير غطاء سياسي أو قانوني لعناصر البوليساريو يثير أسئلة حول التوازن الأمني في المنطقة المغاربية، خاصة في ظل تنامي التهديدات الإرهابية في الساحل والصحراء.
- اقتصادياً: استمرار هذا النهج يكرس صورة تونس كدولة مرتبطة عضوياً بالدعم الجزائري، بدل أن تكون طرفاً مستقلاً في معادلة التنمية المغاربية.
إن انزلاق تونس نحو تبنّي أجندة الجزائر في ملف الصحراء المغربية يعبّر عن مفارقة خطيرة بين الحاجة الاقتصادية والسيادة الدبلوماسية. فبينما تسعى تونس للخروج من أزمتها المالية عبر الارتهان للمساعدات الجزائرية، فإنها تُقحم نفسها في صراع إقليمي يهدد مكانتها وصدقيتها الدبلوماسية، ويعيد تشكيل علاقاتها التقليدية مع المغرب على أسس من التوتر والقطيعة.