مأساة وادي الحراش: عندما تغرق البنية التحتية في الجزائر قبل أن تغرق الحافلات
كريم السطايفي
مرة أخرى، وجّهت الكوارث صفعة مدوّية للسلطات الجزائرية، وهذه المرة عبر حادث مأساوي شهدته العاصمة، حيث سقطت حافلة لنقل المسافرين في مجرى وادي الحراش، فكانت الحصيلة ثقيلة: 18 وفاة و24 مصاباً. وعلى إثر ذلك، أعلنت الرئاسة الجزائرية الحداد الوطني ليوم واحد مع تنكيس الأعلام، وكأن تنكيس قماش على السارية كافٍ لتعويض انكسار قلوب العائلات.
مشهد البنية التحتية الغارقة
الحادث كشف عورة البنية التحتية المهترئة التي لطالما تغنّت بها التصريحات الرسمية في المناسبات الانتخابية. فشبكة طرق غير مهيأة، جسور لم تُصنّف منذ عقود، وأنظمة صرف صحي تعجز عن ابتلاع أول زخات مطر، جعلت من وادي الحراش مصيدة موت حقيقية، وليس مجرد مجرى مائي.
ومن المفارقات أن السلطات سارعت إلى تسخير 25 سيارة إسعاف، 16 غطاساً و4 زوارق نصف مطاطية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وكأنها تعبئة لمواجهة إعصار، بينما الحقيقة أن المأساة كانت نتيجة إهمال طويل الأمد وصيانة مؤجلة بلا نهاية.
تكرار بلا عِبرة
وزير النقل الجزائري أعلن عن فتح تحقيق، ووعد بتجديد أسطول الحافلات الذي يتجاوز 90 ألف مركبة، لكن الجزائريين اعتادوا أن يبدأ التحقيق مع الكارثة وينتهي مع أول خبر عاجل آخر. أما الحديث عن “استخلاص الدروس” فبات لازمة مكررة ترافق كل مأساة، دون أن تُترجم إلى إصلاحات ملموسة.
ولا يخفى أن وادي الحراش، الذي أصبح رمزاً للتلوث والإهمال، يفيض مع كل موسم أمطار، ومع ذلك تستمر الطرق في الانحدار بمحاذاته، وكأن السلطات تراهن على معجزة طبيعية تمنع الفيضان.
موت معلن في طرق غير آمنة
الجزائر تعيش منذ سنوات على وقع نزيف يومي لحوادث المرور، حيث تتحول الطرق المهترئة والحافلات المتداعية إلى شِباك موت جماعي. المواطن الجزائري يخرج من منزله صباحاً متوجساً، ليس من اللصوص أو الحرائق، بل من احتمال أن تتحول رحلة عادية بالحافلة إلى تذكرة ذهاب بلا عودة.
مأساة وجُرس إنذار
المأساة الأخيرة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة ما دامت البنية التحتية الجزائرية تُدار بمنطق “الترقيع” بدل التخطيط الاستراتيجي. المطلوب ليس إعلان الحداد ولا إرسال وفود رسمية للتعزية أمام الكاميرات، بل إرادة سياسية حقيقية لإعادة تأهيل الطرق والجسور، وتحديث شبكة النقل العمومي، وبناء أنظمة فعّالة لتصريف مياه الأمطار.
فأرواح الجزائريين ليست أرقاماً في بيانات الحماية المدنية، بل ثمن يدفعونه يومياً مقابل عجز دولة تمتلك الثروات الباطنية لكنها تُفلس أمام أول قطرة مطر.