المغرب يطلق مرحلة جديدة في العدالة الجنائية مع دخول العقوبات البديلة حيز التنفيذ
بوشعيب البازي
دخلت العدالة المغربية ابتداء من يوم الجمعة محطة مفصلية مع الشروع في تطبيق قانون العقوبات البديلة، الذي تمت المصادقة على إطاره التشريعي والتنظيمي، في خطوة تعكس انتقالا تدريجيا نحو مقاربة إصلاحية تهدف إلى تخفيف الضغط عن السجون وتعزيز ثقة المجتمع في مؤسسة القضاء.
المجلس الأعلى للسلطة القضائية أصدر دورية موجّهة إلى مختلف المحاكم، دعا فيها إلى توحيد المعايير وضبط الصياغة القضائية عند النطق بالعقوبات البديلة، بما يشمل تحديد العقوبة الأصلية ونوع البديل ومدته وشروط التنفيذ. وأكد المجلس أن هذه التوجيهات لا تمس باستقلال القضاة في اجتهاداتهم، بل تأتي لدعم حسن تنزيل القانون وتحقيق أهدافه الكبرى.
فلسفة جديدة للعقاب
العقوبات البديلة ليست مجرد إجراء تقني، بل تمثل تحولا في فلسفة العقوبة ذاتها. فبدل التركيز على السجن كخيار وحيد، يفتح القانون المجال أمام عقوبات مثل العمل لأجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، الغرامة اليومية، أو برامج علاجية وتأهيلية، وهي تدابير أثبتت التجارب المقارنة نجاعتها في الحد من العود وتقليص الكلفة المالية والبشرية.
محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، شدد على أن اللحظة مناسبة لانخراط شامل في هذه التجربة، مذكّرا بأن أربعين سنة من الممارسة في أنظمة قضائية أخرى أظهرت قدرة العقوبات البديلة على تحقيق نتائج أفضل من العقوبات السالبة للحرية.
تحديات التطبيق
رغم وضوح الإطار القانوني، يبقى التحدي الأكبر في التنزيل العملي. فالمجلس طالب المحاكم بقرارات قضائية دقيقة تتضمن كل البيانات المتعلقة بمكان التنفيذ، المؤسسات المستقبلة، والالتزامات المفروضة على المحكوم عليهم، مع التنصيص على الجزاءات عند الإخلال. كما شدد على ضرورة تتبع التنفيذ من طرف قضاة مختصين، مع إحالة نسخ مكتملة من الملفات إلى المؤسسات السجنية لضمان الشفافية والتنسيق.
رأي الخبراء: نحو مقاربة شمولية
رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري، أوضح أن الهدف من هذا التحول هو إعادة إدماج السجناء والحد من الاكتظاظ، مشيرا إلى أن السياسة الجنائية السابقة، القائمة على المقاربة الزجرية، لم تنجح في كبح بعض أشكال الجريمة. وأضاف أن نجاح الإصلاح يتطلب أيضا معالجة الجرائم الحديثة مثل الجرائم الإلكترونية والاتجار الدولي بالمخدرات ضمن رؤية شمولية.
حدود العقوبات البديلة
القانون حدّد بدقة نطاق تطبيق هذه العقوبات، فهي لا تشمل إلا الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، ولا تسري على الجرائم الخطيرة مثل الإرهاب والاتجار بالبشر وغسل الأموال. كما أن آجال التنفيذ محصورة في ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة فقط.
خطوة أولى في مسار إصلاحي
إجمالا، يشكّل دخول العقوبات البديلة حيز التنفيذ اختبارا حقيقيا لقدرة القضاء المغربي على التوفيق بين الردع والإصلاح. فالتجربة تحتاج إلى وقت لتقييم فعاليتها، لكنها تحمل في جوهرها رغبة في الانتقال من عدالة عقابية صِرفة إلى عدالة إصلاحية تضع الإدماج وإعادة البناء الاجتماعي في صلب أولوياتها.