جون بولتون بين مطرقة التحقيقات الفيدرالية وسندان الارتباطات السياسية

بوشعيب البازي

شهد المشهد السياسي الأمريكي تطورًا لافتًا يوم الجمعة، حين داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) منزل جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس دونالد ترامب، في إطار تحقيق فيدرالي حول تسريب وثائق سرية. الحدث، الذي تناقلته وسائل الإعلام الأمريكية على نطاق واسع، لا يحمل فقط دلالات قانونية، بل يكشف أيضًا عن أبعاد سياسية ودبلوماسية تتجاوز حدود واشنطن.

خلفية التحقيق

تعود جذور القضية إلى عام 2020، عندما نشرت وزارة العدل الأمريكية، في عهد إدارة ترامب، تحقيقًا أوليًا بشأن ما تضمّنه كتاب بولتون «الغرفة التي حدث فيها»، والذي اعتُبر آنذاك إفشاءً لمعلومات مصنّفة ضمن أسرار الدولة. ترامب نفسه هاجم بولتون بشدة، واصفًا إياه بـ«أحد أغبى الأشخاص في واشنطن»، ومعتبرًا أن الكتاب ينتهك الالتزامات القانونية لبنود السرية. ومع ذلك، جرى إغلاق الملف في عهد إدارة بايدن، قبل أن يُعاد فتحه بشكل فعلي، وتتوج العملية بمداهمة الـFBI لمنزل بولتون في ضواحي العاصمة الأمريكية.

أبعاد المشهد الراهن

المداهمة الأخيرة لم تسفر عن توقيف بولتون أو توجيه اتهامات رسمية حتى الآن، غير أن الصور التي بثتها وسائل الإعلام الأمريكية ـ من سيارات الشرطة الفيدرالية المتوقفة أمام المنزل، إلى مشهد دخول العملاء عبر مداخل سرية ـ عكست رمزية قوية: الرجل الذي اعتاد توجيه الانتقادات اللاذعة وصياغة المواقف المتشددة تجاه خصوم الولايات المتحدة، يجد نفسه اليوم موضوعًا لتحقيقات جنائية.

الأكثر إثارة للانتباه هو تزامن المداهمة مع نشر بولتون تغريدة ينتقد فيها سياسة دونالد ترامب تجاه الحرب في أوكرانيا، ما يوحي بمحاولة واضحة للسيطرة على السردية الإعلامية. غير أن هذا التوقيت لم يكن كافيًا لحجب الصورة الأقوى: “الصقر” السابق في واشنطن أصبح محاصرًا بشبهة تسريب أسرار الدولة.

البعد الجيوسياسي وعلاقة بولتون بالبوليساريو

يتجاوز هذا الملف البعد الأمريكي الداخلي ليمسّ سياقات دبلوماسية أوسع. فبولتون ظل لسنوات أحد أبرز الأصوات الداعمة لجبهة البوليساريو الانفصالية، وهو موقف انسجم مع مصالح الجزائر في الصحراء المغربية. هذا التموضع السياسي وضعه في مواجهة مباشرة مع المصالح الاستراتيجية للمغرب، الذي نجح خلال العقدين الأخيرين في ترسيخ شرعيته الدولية عبر مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل.

إن وجود اسم بولتون في هذا السياق لا يعد تفصيلًا ثانويًا، بل يعكس كيف يمكن لتشابك القضايا القانونية والسياسية أن يفضح شبكة العلاقات العابرة للحدود، والتي توظف شخصيات أمريكية وازنة لخدمة أجندات دولية، من بينها الجزائر.

تؤكد مداهمة الـFBI لمنزل جون بولتون أن “لا أحد فوق القانون”، كما صرّح مدير المكتب كاش باتيل. لكنها تكشف أيضًا أن الشخصيات التي ارتبطت تاريخيًا بالخيارات الاستراتيجية الأمريكية ليست محصنة من الملاحقات، سواء تعلق الأمر بخرق السرية أو بخياراتها السياسية المثيرة للجدل.

وعليه، فإن قضية بولتون ليست مجرد تحقيق فيدرالي، بل نافذة جديدة على التداخل بين الأمن القومي الأمريكي، الصراعات الداخلية حول إرث إدارة ترامب، والرهانات الجيوسياسية المرتبطة بنزاعات إقليمية مثل قضية الصحراء المغربية. في النهاية، يبدو أن بولتون، الذي طالما لعب دور المتهم والمهاجم، يجد نفسه اليوم في موقع “المتهم المحتمل”، في مشهد سياسي ودبلوماسي يختزل الكثير من الرمزية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com