الجاهزية العسكرية المصرية بين هواجس الأمن القومي ومأزق الأزمة الإنسانية في غزة

حنان الفاتحي

تواجه مصر في المرحلة الراهنة تحديات أمنية وسياسية وإنسانية متشابكة نتيجة التطورات المتسارعة في قطاع غزة. ففي الوقت الذي يؤكد فيه وزير الدفاع المصري عبدالمجيد صقر على أهمية الجاهزية القتالية لمواجهة “المتغيرات المتسارعة في المنطقة”، تتصاعد المخاوف من أن يؤدي المخطط الإسرائيلي للسيطرة على القطاع إلى تهجير جماعي للفلسطينيين نحو سيناء، وهو ما تعتبره القاهرة “خطا أحمر” غير قابل للتفاوض.

أولاً: البعد العسكري والأمني

جاءت تصريحات وزير الدفاع في سياق لقاء جمعه بمقاتلي المنطقة الغربية العسكرية، بحضور رئيس الأركان أحمد خليفة وعدد من القادة العسكريين. وأكد خلالها أن الاستعداد القتالي العالي يمثل الضمان الحقيقي لأمن واستقرار الوطن، في إشارة واضحة إلى أن القيادة المصرية تدرك خطورة المرحلة وتستعد لاحتمالات ميدانية قد تتجاوز نطاق غزة.

المصادر العسكرية أشارت إلى رفع مستوى الانتشار في شمال سيناء إلى نحو 40 ألف جندي، أي ضعف العدد المسموح به وفق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية لعام 1979، بما يعكس حجم القلق الاستراتيجي لدى القاهرة. وشملت التعزيزات دبابات وآليات مدرعة ومنظومات دفاع جوي وقوات خاصة، خصوصاً في المناطق المحاذية مباشرة لقطاع غزة.

ثانياً: الموقف السياسي المصري

يُقرأ التصعيد المصري ضمن إطار رفض قاطع لأي مشروع تهجير جماعي للفلسطينيين. فالقاهرة تعتبر أن دفع سكان غزة إلى سيناء يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي وتفجيراً لمعادلة الاستقرار الداخلي في شمال سيناء، بما يحمله ذلك من تداعيات ديموغرافية وسياسية وأمنية.
الرئيس عبدالفتاح السيسي أكد في أكثر من مناسبة أن “نقل الفلسطينيين لا يمكن القبول به أبداً”، وهو موقف يجد صداه لدى النخبة السياسية والشارع المصري على حد سواء، بل ويمتد إلى المكون القبلي في سيناء الذي يرفض التوطين أو التهجير على حساب الأرض والسيادة المصرية.

ثالثاً: الأزمة الإنسانية في غزة والانعكاسات الإقليمية

في موازاة التصعيد العسكري، يعيش قطاع غزة مأساة إنسانية متفاقمة. فقد أعلنت الأمم المتحدة دخول نصف مليون شخص في دائرة المجاعة الكارثية، بينما يواصل الجيش الإسرائيلي تهديداته بـ”تسوية غزة بالأرض” ما لم تستجب حماس لشروطه. هذا الواقع يزيد من احتمالات النزوح الجماعي، وهو ما يمثل هاجساً أساسياً للقاهرة.

الضغوط الدولية على إسرائيل، بما في ذلك التحذيرات من كارثة إنسانية، لم تمنع تل أبيب من المضي في خطتها للسيطرة الكاملة على القطاع، ما يضع مصر أمام معضلة مزدوجة: التعامل مع التهديد العسكري على حدودها، وفي الوقت نفسه الاضطلاع بدورها الإنساني والدبلوماسي لمنع التهجير القسري.

رابعاً: العلاقات المصرية – الإسرائيلية تحت الاختبار

رغم أن العلاقات الثنائية شهدت عقوداً من التعاون الأمني والاقتصادي بعد اتفاقية السلام (1979)، إلا أن الحرب الأخيرة قادت إلى أدنى مستويات الثقة بين الجانبين، خصوصاً بعد سيطرة إسرائيل على “ممر فيلادلفيا” في مايو 2024، وهو ما اعتبرته مصر خرقاً للمعاهدة. الاعتراض المصري على حجم القوات الإسرائيلية ومواقعها يعكس التوتر الكامن الذي قد يتطور إلى أزمة دبلوماسية غير مسبوقة منذ أربعة عقود.

تجد مصر نفسها اليوم أمام تحدٍ استراتيجي بالغ التعقيد: فهي مطالبة في آن واحد بتحصين حدودها من تهديد التهجير الجماعي للفلسطينيين، وضمان أمنها القومي، والحفاظ على استقرار شمال سيناء، وفي الوقت نفسه لعب دور الوسيط الدبلوماسي لمنع انزلاق الوضع إلى كارثة إقليمية.
إن قدرة القاهرة على إدارة هذا التوازن الدقيق ستحدد ليس فقط مستقبل علاقتها مع تل أبيب، بل أيضاً موقعها الإقليمي كفاعل رئيسي في قضايا الأمن العربي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com