يستمر الغموض في الجزائر بعد الغياب المفاجئ للرئيس عبد المجيد تبون، وهو غياب لم يعد مجرد حدث عابر بقدر ما أصبح مرآة تعكس هشاشة النظام السياسي وارتباكه. فالرئيس الذي يفترض أن يكون الواجهة المدنية لسلطة جمهورية، اختفى عن المشهد في محطات داخلية ودولية مفصلية، تاركًا خلفه تساؤلات عميقة عن طبيعة الحكم في بلد يعيش على وقع التناقضات.
غياب تبون عن حضور حادث غرق مأساوي في وادي الحراش وما تلاه من احتجاجات، ثم عن مؤتمر “تيكاد 9” الياباني الإفريقي الذي شهد نكسة دبلوماسية للجزائر بعد تأكيد الموقف الياباني الرافض للاعتراف بجبهة البوليساريو، يبرز صورة سلطة غير قادرة على مواجهة الأزمات أو حتى تقديم تفسير للرأي العام. وبينما يغيب الرئيس، تتحرك السفيرة الأمريكية بتصريحات تثير الجدل، ويغيب أي رد رسمي يوضح للرأي العام موقع القيادة الجزائرية مما يجري.
وسط هذا الصمت، تتضارب الروايات بين من يتحدث عن رحلة علاج جديدة في ألمانيا ومن يذهب أبعد من ذلك متحدثًا عن صراعات داخلية وفقدان السيطرة، فيما يرى آخرون أن المؤسسة العسكرية، بواجهتها الصلبة ممثلة في الفريق أول سعيد شنقريحة، هي التي تدير المشهد فعليًا، مستمرة في خطابها التقليدي الذي يجعل من المغرب “العدو الكلاسيكي” غطاءً لأزمات الداخل.
الشارع الجزائري الذي يرزح تحت ضغط اقتصادي واجتماعي متزايد لم يجد في الإعلام المحلي ما يبدد الشكوك، بل واجه إعلامًا صامتًا فاقدًا للاستقلالية، الأمر الذي أطلق العنان للشائعات وأدخل المواطنين في دوامة من القلق والإحباط. في وقت تُنفق فيه مليارات الدولارات على دعم جبهة البوليساريو، يعاني الجزائريون من أزمات معيشية متفاقمة، وهو تناقض فج يعمق الهوة بين السلطة والشعب، ويؤكد أن أولويات النظام أبعد ما تكون عن احتياجات مواطنيه.
إن غياب الرئيس عن الأنظار لا يكشف فقط عن وضع شخصي أو صحي غامض، بل يعري نظامًا سياسيًا لا يزال أسيرًا لعقلية التعتيم والقرار المغلق، حيث المؤسسة العسكرية هي الحاكم الفعلي، بينما الواجهة المدنية تبقى ضعيفة، عاجزة عن فرض حضورها أو حتى عن الاضطلاع بأبسط أدوارها. هذا الفراغ في رأس الدولة يزيد من غموض المستقبل، ويجعل الجزائر أسيرة معادلة مشوهة: جيش مهيمن، سلطة مدنية باهتة، وإعلام مكبل.
في النهاية، لا يتعلق الأمر بغياب عابر للرئيس، بل بأزمة ثقة عميقة في بنية النظام نفسه، حيث يظل المواطن الجزائري يترقب في صمت، متسائلًا عن مصير بلده في ظل قيادة غامضة لا تكشف أوراقها ولا تقدم أي مؤشرات على قدرة حقيقية لإدارة الأزمات أو استشراف المستقبل.