شبكة “زواج الفاتحة” بمسجد أبو بكر في فرانكفورت: تجارة باسم الدين ومأساة معلقة للجالية المغربية

يوسف لفرج

في قلب فرانكفورت، وعلى مرأى من السلطات الألمانية، تحول مسجد أبو بكر إلى ما يشبه “مكتب زيجات سرّي” يبرم عقود زواج بالفاتحة مقابل مبالغ مالية تصل إلى 250 يورو للعقد الواحد.

مصادر مطلعة أكدت أن المسجد سجّل أزيد من 189 حالة زواج غير معترف بها لا من طرف السلطات الألمانية ولا حتى المغربية، وهو ما يضع مئات الأزواج والزوجات وأبناءهم في دائرة الخطر القانوني والاجتماعي.

شبكة خطيرة تُدار من الداخل

تظهر المعطيات أن هذه “الشبكة” التي تديرها أسماء معروفة في أوساط الجالية، محسن وعبد الرحيم، لم تكن لتنجح لولا التسهيلات التي تجدها داخل القنصلية المغربية بفرانكفورت.

الأكثر إثارة للجدل أن سائق القنصل العام محمد بوصفية، خليفة آيت الشايب، ليس سوى عضو ناشط في الجمعية المسيرة للمسجد، حيث فُرض كخليفة للسائق السابق، قبل أن يُدمج بشكل مثير للريبة في مصلحة جوازات السفر بالقنصلية، رغم أنه لا صلة له لا بالدبلوماسية ولا بالعمل القنصلي.

هذا التداخل المريب بين مؤسسة دينية يفترض أن تنشر الطمأنينة الروحية، وبين جهاز رسمي يمثل الدولة المغربية، يطرح أكثر من علامة استفهام حول طبيعة النفوذ الذي يمكّن هذه الجمعية من نسج شبكتها دون مساءلة حقيقية.

القنصل العام… صلوات تغطي الفضائح؟

رغم كثرة الشكاوى و”الضحايا” الذين لا يتوقفون عن الدعاء للتخلص من ممارساته، يحرص القنصل العام نفسه على حضور الصلوات بمسجد أبو بكر. مشهدٌ اعتبره موظفون ومتابعون دليلاً إضافياً على العلاقة العضوية بين القنصلية وهذه الشبكة، خصوصاً وأن تغييرات في الطاقم الإداري، مثل تعيين السائق الحالي محمد بوصفية، تمت انطلاقاً من دائرة المسجد نفسه.

زواج الفاتحة: قنبلة اجتماعية مؤجلة

تجاوز عدد الحالات المسجّلة 189 عقداً، ما يعني أن مئات الأفراد يعيشون وضعية قانونية هشة. الزواج بالفاتحة، وإن كان يحمل بعداً دينياً في الثقافة المغربية، فإنه في السياق الأوروبي بلا قيمة قانونية.

  • الزوجة لا تتمتع بأي حماية قانونية في حال الطلاق أو العنف الأسري.
  • الأبناء يولدون خارج أي إطار مدني معترف به، ما يعقد مسألة النسب والحق في الجنسية أو الوثائق الرسمية.
  • الزوج قد يستغل هذا الوضع للزواج المتعدد أو التنصل من المسؤوليات، دون إمكانية متابعة قضائية حقيقية.

القانون الألماني يرفض الاعتراف بهذه الزيجات، كما أن التشريعات المغربية نفسها لا تعتبرها صالحة إلا إذا وُثقت رسمياً لدى العدول وبحكم قضائي. وبالتالي، فهذه العقود لا تعدو أن تكون “أوراقاً فارغة” ممهورة بخطابات دينية، لكنها تبيع وهماً للناس بثمن 250 يورو.

الجالية بين مطرقة الدين وسندان القانون

بالنسبة للجالية المغربية، يشكل هذا الملف أحد أخطر الأمثلة على استغلال الدين لتكريس الهشاشة الاجتماعية. كثير من النساء، بدافع المحافظة على “الشرعية الدينية”، يقبلن بعقد فاتحة، دون أن يدركن أنهن يضعن أنفسهن وأبناءهن في مواجهة مستقبل مجهول.

في المقابل، تستفيد الشبكة مادياً من هذا الوضع، فيما تغض بعض المؤسسات الطرف، إما لعجز عن المواجهة أو لتورط غير مباشر في تسهيل هذه الممارسات.

ما يحدث في مسجد أبو بكر بفرانكفورت ليس مجرد تجاوز فردي، بل شبكة متكاملة تستغل الدين والعاطفة لتسويق “زواج الفاتحة” الذي لا يحمي أحداً سوى جيوب القائمين عليه. في ظل غياب تدخل حازم من السلطات الألمانية والمغربية، ستظل الجالية المغربية رهينة عقود ورقية لا تحفظ حقاً ولا تصون كرامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com