في المغرب، يبدو أن السياسة قررت أخيراً أن تدخل المدرسة، ولو متأخرة نصف قرن. مركز المؤشر للدراسات خرج بتوصية بسيطة حدّ السخرية: “الباكالوريا كشرط أساسي للترشح لمجلس النواب”. شرط يبدو عادياً في أي بلد يحترم نفسه، لكنه عندنا أشبه بثورة ثقافية، لأن كثيراً من المشرّعين الحاليين يعتبرون الحروف الأبجدية خياراً ثانوياً، وليس أداة لكتابة القوانين.
برلمان “الشفوي”
الواقع أن الإطار القانوني الحالي لا يطلب من المترشح سوى شهادة المستوى الابتدائي للولوج لمجالس الجماعات والعمالات. أي أن منتخبينا، الذين يُفترض أن يديروا التنمية المحلية، لا يحتاجون أكثر مما يحتاجه طفل لاجتياز القسم الخامس. أما أن يُطلب من نائب برلماني شهادة الباكالوريا، فذلك يدخل في خانة “ترف النخب”، وكأننا نطالب بفيزياء نووية!
الأعيان… والدروس الخصوصية
المشكل أعمق من ورقة شهادة. فالأحزاب، بدل أن تخرّج قيادات شابة مؤهلة، ما زالت أسيرة الأعيان و”وجهاء الانتخابات” الذين يملكون المال أكثر مما يملكون الأفكار. لذلك، يقترح المركز إضافة دورات تكوينية إلزامية في القوانين والأخلاقيات السياسية… حتى لا يختلط على النائب بين “الميزانية العامة” و”ميزانيته الخاصة”.
ماجستير للشباب… وابتدائي للشيوخ
الطريف أن المقترحات تضمنت تخصيص 20% من اللوائح البرلمانية للشباب أقل من 35 سنة، بشرط أن يكونوا حاصلين على الماجستير. في حين أن “الشيوخ” من الأعيان لا يُشترط فيهم سوى رصيد انتخابي أو مصرفي. وكأن النظام الحزبي يقول للشباب: “ادرسوا حتى الدكتوراه… ثم انتظروا مكانكم خلف من لا يقرأون أصلاً”.
رشيد لزرق: الديمقراطية المباعة
أستاذ العلوم السياسية رشيد لزرق لخّص المأساة بقوله: “الخلل ليس في الديمقراطية التمثيلية بل في الأحزاب التي حولت المناصب إلى ريع، وصارت الديمقراطية تشترى بالوعود والصفقات”. كلام يختصر الصورة: العملية الانتخابية عندنا تشبه سوقاً أسبوعياً، حيث تُباع الأصوات وتُشترى الولاءات، أما النقاش السياسي فغائب كغيب الشمس في ليلة ظلماء.
الملك: إصلاحات قبل 2026
الملك محمد السادس كان واضحاً في خطابه الأخير: الإصلاح الانتخابي يجب أن يكون جاهزاً ومعروفاً قبل نهاية السنة. لكن السؤال: هل سيغيّر شرط الباكالوريا وحده عقليات الأحزاب التي تفضل “الوجه المألوف” على الكفاءة؟
في النهاية، ليس المشكل في مستوى التعليم فقط، بل في “الأمية السياسية” التي جعلت البرلمان أقرب إلى نادٍ للعائلات النافذة منه إلى مؤسسة تشريعية. إصلاح المنظومة الانتخابية لا يمر عبر الشهادات وحدها، بل عبر إعادة الاعتبار للمواطن، كي لا يجد نفسه ممثلاً من طرف شخص يظن أن “اللجنة المالية” هي جمعية الأحياء الشعبية.